قاموس «First».. ما المقصود بـ الاقتصاد الجيوسياسي ؟
First Bank

يُشير مصطلح الاقتصاد الجيوسياسي إلى أنه المفهوم الذي يربط بين الاقتصاد والسياسة الدولية، حيث تستخدم الدول أدواتها الاقتصادية مثل التجارة، والاستثمارات، والطاقة ، والعقوبات، لتحقيق أهداف استراتيجية أو سياسية، وذلك من خلال التأثير على قرارات دول أخرى أو إعادة تشكيل موازين القوى العالمية دون اللجوء إلى القوة العسكرية.
ويعتمد الاقتصاد الجيوسياسي على أن الاقتصاد لم يعد مجرد ساحة لتبادل السلع والخدمات، بل أصبح أداة تُستخدم بذكاء في إدارة العلاقات الدولية، وفي هذا الإطار لا يتم النظر إلى الاتفاقيات التجارية أو الاستثمارات الأجنبية كصفقات اقتصادية فقط، بل كوسائل ضغط أو رسائل سياسية موجهة من دولة إلى أخرى.
وظهر الاقتصاد الجيوسياسي كفكر متكامل مع تصاعد الترابط بين السياسة والاقتصاد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا مع بداية الحرب الباردة، حيث لجأت القوى الكبرى إلى استخدام المساعدات الاقتصادية، والتحالفات التجارية، والقيود المالية، كأدوات بديلة عن الحروب المباشرة، ومع تطور العولمة، وزيادة الاعتماد المتبادل بين الدول، أصبح الاقتصاد أداة تأثير لا تقل أهمية عن السلاح.
ويوفر الاقتصاد الجيوسياسي عدة مزايا للدول التي تتقنه وتستثمر فيه بذكاء، فهو يسمح بتحقيق أهداف سياسية دون تكلفة عسكرية، ويمنح الدولة قدرة على التأثير في قرارات دول أخرى من خلال التحكم في الموارد أو الأسواق أو سلاسل الإمداد، كما يساعد على حماية المصالح القومية من خلال وضع قيود أو حوافز مالية على الدول المنافسة أو الحليفة.
ولكن بالرغم من هذه المزايا، يخلق الاقتصاد الجيوسياسي تحديات كبيرة، إذ يؤدي إلى تحويل القرارات الاقتصادية إلى أدوات لتصفية الحسابات السياسية، مما يسهم في تهديد استقرار الأسواق العالمية، وخلق حالة من عدم الثقة في سلاسل الإمداد والتجارة الدولية، كما يمكن أن يزيد من احتمالات فرض العقوبات الاقتصادية المتبادلة التي قد تُلحق الضرر بجميع الأطراف، ويتسبب في تهميش الدول الضعيفة التي لا تملك أدوات اقتصادية كافية للدفاع عن مصالحها.
وتُعد الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين من أبرز الأمثلة على الاقتصاد الجيوسياسي في العصر الحديث، حيث تم فرض قيود على التكنولوجيا، وفرض تعريفات جمركية، ومنع استثمارات استراتيجية في قطاعات استراتيجية، كذلك، استخدمت روسيا الغاز الطبيعي كورقة ضغط على أوروبا خلال الأزمة الأوكرانية، وفي المقابل فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على موسكو.
ويبقى الاقتصاد الجيوسياسي أحد أدوات العصر الحديث التي تُعيد تشكيل السياسة الدولية، وتحوّل التنافس من ساحات الحرب إلى أسواق المال والطاقة والتجارة، ورغم أن هذا النوع من السياسات قد يعزز القوة الناعمة للدول، إلا أنه يتطلب وعيًا استراتيجيًا طويل الأمد، وتوازنًا دقيقًا بين حماية المصالح القومية والحفاظ على استقرار النظام الاقتصادي العالمي، وفي عالم تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المصالح، لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد، ولا يمكن لأي دولة تجاهل أثر هذه التفاعلات على مستقبلها.