ساهمت الصين بما يقرب من 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ الأزمة المالية العالمية من تجاوز سلسلة م

فيروس كورونا,الصين,الأزمة المالية العالمية



مجموعة QNB: كيف تسير عملية التعافي الاقتصادي في الصين؟

FirstBank

ساهمت الصين بما يقرب من 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ الأزمة المالية العالمية، من تجاوز سلسلة من التقلبات الكبيرة في السنوات الأخيرة، وجاء ذلك بعد التفشي الأولي لفيروس كوفيد-19 في الربع الأول من عام 2020.

وحققت الصين نمواً كبيراً في الناتج المحلي الإجمالي بلغت نسبته 18.7% في مرحلة ذروة التعافي، وحافظت على زخم إيجابي من منتصف عام 2020 إلى منتصف عام 2021، وخلال تلك الفترة، كانت الصين الاقتصاد الرئيسي الأول والوحيد الذي حقق نمواً إيجابياً في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020.

وأدت مجموعة من العوامل المحلية منذ ذلك الحين إلى تباطؤ اقتصادي واضح في الصين، نتيجة لتنفيذ سياسة صفر كوفيد، التي اتسمت بعمليات إغلاق في المدن الكبيرة، وتقييد أنشطة الإقراض المصرفي للقطاع العقاري المثقل بالديون، وفرض قيود تنظيمية صارمة على مختلف القطاعات.

كما حدث ركود في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الثاني من عام 2022 أسفر عن أسوأ أداء اقتصادي للصين منذ عقود، وعلاوة على ذلك، لم يحدث التعافي المتوقع في النصف الثاني من عام 2022 نظراً لتفشي موجة جديدة من كوفيد-19 وما نتج عنها من عمليات إغلاق في جميع أنحاء البلاد في أواخر العام الماضي.

وأصبحت توقعات النمو في الصين في عام 2023 تتسم بمزيد من الإيجابية بسبب تلاشي الرياح المعاكسة الدورية الرئيسية، وتتخلى الصين تدريجياً عن سياسة صفر كوفيد، وتعمل على إعادة فتح اقتصادها وتطبيعه.

وتتجه الصين إلى تبني سياسات توفر قدراً أكبر من الدعم للاقتصاد الكلي، وذلك من خلال تيسير شروط منح الائتمان للقطاع العقاري، وتهدئة المخاوف التنظيمية في قطاعات التكنولوجيا الرئيسية. 

ووفرت هذه التغييرات السياسية مجتمعة نظرة أكثر إشراقاً لنمو الاقتصاد الصيني في عام 2023، مع إجماع على أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سيعود إلى التسارع في العام الحالي.

ويبدو أن نشاط الاقتصاد الصيني متوافق مع التوقعات الأكثر تفاؤلاً، بسبب وجود ثلاث عوامل رئيسية:

أولاً: تشير المؤشرات الرئيسية للنشاط في الصين بالفعل إلى حدوث المزيد من التعافي، ويبدو أن مؤشر مديري مشتريات قطاع التصنيع في الصين، وهو مؤشر قائم على الاستطلاعات يرصد مدى التحسن أو التدهور في العديد من مكونات النشاط مقابل الشهر السابق.

ووصل إلى القاع خلال العام الماضي تقليدياً، يعتبر مستوى الـ 50 نقطة في المؤشر بمثابة عتبة فاصلة بين التغيرات الانكماشية (أقل من 50 نقطة) والتغيرات التوسعية (فوق 50 نقطة) في الأحوال الاقتصادية. 

ولا يشير هذا المؤشر عالي التردد إلى العبور الإيجابي إلى منطقة توسعية فحسب، بل يشير أيضاً إلى تسارع كبير في نشاط التصنيع، على الرغم من التباطؤ الملحوظ في النمو العالمي، على عكس الصين، يتباطأ النشاط أو حتى يتقلص في الاقتصادات الكبرى الأخرى، مثل الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واقتصادات الأسواق الناشئة في جنوب شرق آسيا (آسيان).

ثانياً، يبدو أن عملية إعادة الانفتاح الاقتصادي تسير على قدم وساق، وهو ما يشكل رياح خلفية قوية لقطاع الخدمات المنهك في الصين، وتُظهر البيانات أن الازدحام المروري لا يزال مرتفعاً ويتجاوز مستويات 2021-2220.

ويشهد حجم ركاب مترو الأنفاق نمواً مرتفعاً بشكل مذهل على أساس سنوي، وتعافى الطلب على النفط إلى مستويات أعلى مما كان عليه قبل الجائحة، كما أن الطلب الضمني على النفط من الرحلات الداخلية المجدولة مرتفع بشكل خاص.

ويشير الاستهلاك خلال عطلة رأس السنة الصينية الجديدة إلى تعافٍ أولي قوي، مع تفوق أداء قطاعات خدمات الرفاهية الراقية والمتوسطة إلى الراقية، كما شهدت قطاعات خدمة المستهلك غير المتصلة بالإنترنت، مثل السياحة والأفلام والمطاعم، انتعاشاً قوياً في الطلب خلال عطلة عيد الربيع.

وجاء ذلك مع تعافي الإنفاق من الرحلات السياحية المحلية ووصول عائدات شبابيك تذاكر السينما إلى ثاني أعلى مستوى على الإطلاق، فإن مدى إطلاق الطلب المكبوت لخدمات الاستهلاك الكمالية غير المتصلة بالإنترنت يتجاوز التوقعات حتى الآن.

ثالثاً، تواصل السلطات الصينية التخلي عن التغييرات التنظيمية المفتوحة في القطاعات التكنولوجية الرئيسية، على مدى الأرباع العديدة الماضية، أدت المراجعات التنظيمية الشاملة في بعض الصناعات، مثل التعليم الخاص، والتكنولوجيا المالية، والتجارة الإلكترونية، وتوصيل الطعام، وتطبيقات سيارات الأجرة إلى التسبب في حالة من عدم اليقين في الأعمال التجارية.

وأدى ذلك جزئياً إلى منع الاستثمارات الجديدة وحتى الابتكار في الأنشطة ذات الصلة، ومع ذلك، في الأشهر الأخيرة، بدأت السلطات في إنهاء مراجعاتها التنظيمية، وتقديم إرشادات أوضح للشركات وإصدار المزيد من التراخيص الرسمية للعمل للشركات المهمة التي كانت تعمل سابقاً في "ظروف غير واضحة". 

كما أدى هذا الأمر إلى التقليل من حالة عدم اليقين في الأعمال التجارية وهو يدعم بالفعل انتعاش استثمارات القطاع الخاص والابتكار.

ويبدو أن الاقتصاد الصيني يسير على الطريق الصحيح لتحقيق تعافٍ قوي في عام 2023، مدفوعاً بمجموعة من العوامل الإيجابية، ويُظهر قطاع التصنيع بوادر توسع، بينما يستفيد قطاع الخدمات من إعادة الانفتاح الاقتصادي وإطلاق الطلب الاستهلاكي المكبوت. 

وعلاوة على ذلك، فإن الوضوح التنظيمي في القطاعات التكنولوجية الرئيسية يقلل من عدم اليقين في الأعمال التجارية ويعزز استثمارات القطاع الخاص والابتكار. على الرغم من شكوك السوق بشأن مدة وقوة التعافي الصيني، نتوقع أن يحقق النمو الصيني مفاجأة في الاتجاه الصعودي.