أخضر: الاستدامة في عالم التكنولوجيا.. من النفايات الإلكترونية إلى الطاقة المتجددة

تُعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إحدى الركائز الأساسية في بناء المجتمعات الحديثة، إلا أن النمو المتسارع لهذا القطاع يفرض تحديات بيئية جسيمة تتطلب تبني مفاهيم أكثر استدامة، وفي هذا السياق، برزت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء، أو ما يُعرف بـ"Green ICT"، كاستراتيجية متكاملة تهدف إلى تقليل الأثر البيئي لأنشطة تقنيات المعلومات، من خلال تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتقليل الانبعاثات، وإدارة النفايات الإلكترونية بطرق مستدامة.
تشير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء إلى التطبيقات والممارسات التي تقلل من الأثر البيئي الناجم عن إنتاج وتشغيل واستخدام الأجهزة التكنولوجية ومراكز البيانات، مع ضمان الأداء الفعّال وتقليل استهلاك الطاقة، وتشمل هذه الممارسات تطوير البرمجيات المستدامة، وتحسين كفاءة الأجهزة، وتصميم أنظمة موفرة للطاقة، وإعادة تدوير المنتجات التكنولوجية.
وتشير التقديرات إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يُسهم بما يقارب 3.9% من إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية.
كما تستهلك مراكز البيانات وحدها نسبة كبيرة من الكهرباء عالميًا، تُقدر بأكثر من 2% من إجمالي الطلب على الطاقة، مما يفرض ضغطًا كبيرًا على الموارد، ومن جهة أخرى، تنتج أكثر من 54 مليون طن من النفايات الإلكترونية سنويًا، يُعاد تدوير أقل من ربعها، ما يخلق تحديات بيئية خطيرة تتعلق بإدارة المخلفات السامة وتلوث التربة والمياه.
وتتضمن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء مجموعة من المبادئ الأساسية التي تهدف إلى تعزيز الاستدامة البيئية في القطاع الرقمي، من أبرز هذه المبادئ تحسين كفاءة الطاقة من خلال تبني خوادم منخفضة الاستهلاك وتقنيات التبريد الذكي في مراكز البيانات، بالإضافة إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتشغيل البنية التحتية الرقمية.
كما تشمل المبادئ إعادة التدوير والتصميم المستدام للأجهزة، مما يطيل عمر المنتج ويقلل من النفايات الإلكترونية، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتضمن إدارة ذكية للموارد مثل الماء والكهرباء والمواد الخام عبر نظم الإدارة البيئية، لضمان تقليل الأثر البيئي وتحقيق كفاءة أكبر في استخدام الموارد.
وتلعب تكنولوجيا المعلومات الخضراء دورًا محوريًا في تحقيق التنمية المستدامة من خلال تقليل البصمة الكربونية للمنشآت وتعزيز استخدام الطاقة النظيفة، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف السابع المتعلق بالطاقة النظيفة والهدف الثاني عشر المتعلق بالاستهلاك والإنتاج المسؤول.
كما تدعم هذه التكنولوجيا الاقتصاد الدائري عبر إعادة استخدام الموارد وتقليل النفايات، بالإضافة إلى رفع الوعي البيئي لدى الأفراد والمؤسسات وتشجيع التحول الرقمي المسؤول والصديق للبيئة.
في هذا السياق، تسعى مصر إلى دمج مفاهيم الاستدامة البيئية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عبر عدة مبادرات، منها مبادرة "مصر الرقمية الخضراء" التي تهدف إلى تقليل البصمة البيئية للخدمات الحكومية الإلكترونية، وإنشاء مراكز بيانات ذكية تُبنى وفق معايير كفاءة بيئية عالية.
كما تولي مصر اهتمامًا كبيرًا لإدارة النفايات الإلكترونية بالتعاون مع شركات محلية ودولية لإعادة التدوير، وتعمل بالتوازي مع جهات دولية مثل الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتمويل مشروعات التكنولوجيا المستدامة.
وتأتي هذه الجهود ضمن إطار رؤية مصر 2030 التي تجعل من التحول إلى الاقتصاد الأخضر هدفًا استراتيجيًا، معتمدة على تكنولوجيا المعلومات لتحقيق الكفاءة والاستدامة.
وتمثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء تحولًا استراتيجيًا ضروريًا لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة، إذ يتيح دمج الاعتبارات البيئية في البنية التحتية والعمليات التكنولوجية تحقيق توازن فعّال بين التطور التقني والحفاظ على البيئة، مما يجعل التجربة المصرية نموذجًا واعدًا على مستوى المنطقة في بناء اقتصاد رقمي أخضر ومستدام.