أخضر: هل تختفي الإسكندرية بحلول 2050؟! تحذيرات من كارثة مناخية وشيكة
First Bank

تواجه مدينة الإسكندرية تهديدًا وجوديًا متصاعدًا في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، حيث تُعد السيول وارتفاع منسوب سطح البحر من أبرز المخاطر المحدقة بمستقبل المدينة، التي تتميز بتاريخها العريق وموقعها الجغرافي الفريد على البحر المتوسط.
وفي ظل غياب بنية تحتية قوية وقادرة على مجابهة الظواهر الجوية المتطرفة، تتزايد احتمالات وقوع كوارث بيئية وبشرية جسيمة، ما يجعل الإسكندرية في صدارة المدن الساحلية الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي خلال العقود المقبلة.
وشهدت الإسكندرية في السنوات الأخيرة موجات غير معتادة من الأمطار الغزيرة، أبرزها في أكتوبر 2015، حينما تعرضت المدينة لهطول أمطار كثيف تجاوز 227 ملم خلال أقل من 12 ساعة، ما أدى إلى غرق الشوارع، وانهيار عددًا من المباني، ووفاة عدد من المواطنين.
وكشفت هذه الواقعة عن هشاشة شبكة الصرف الصحي التي لم تستطع استيعاب هذه الكميات، حيث لا تتجاوز طاقتها الاستيعابية 26 ملم يوميًا، وهو ما يعكس الحاجة الماسة إلى إعادة تأهيل شاملة للبنية التحتية الحضرية.
وفي أحد أكثر المشاهد رعبًا مؤخرًا، تعرضت المدينة في مايو الماضي لعاصفة شديدة غير متوقعة، مصحوبة بأمطار غزيرة وبَرَد ورياح تجاوزت سرعتها 50 كم/س، مما تسبب في غرق عدد من الشوارع الحيوية مثل سيدي جابر، سموحة، ومحرم بك، وأدى إلى شلل مروري واسع واحتجاز عشرات المواطنين وسط المياه.
وتتكرر الكارثة في المناطق المنخفضة مثل المكس، الأنفوشي، بحري، سموحة وسيدي جابر، التي تتحول في كل موجة مطر إلى برك مياه ضخمة، نتيجة ضعف تدفق الصرف، وطبيعة التربة الصخرية غير المسامية، ما يزيد من تفاقم الأزمة.
وعلى جانب آخر، تواجه الإسكندرية أزمة بيئية مزمنة تتمثل في انخفاض كميات الرواسب النيلية التي كانت تصل إليها قبل إنشاء السد العالي، حيث كانت تشكّل حاجزًا طبيعيًا يحمي السواحل من التآكل، إلا أنه مع غياب هذه الرواسب، أصبحت السواحل أكثر هشاشة وتراجع خط الشاطئ بشكل ملحوظ، ما زاد من خطر غمر المناطق الساحلية خلال العواصف وارتفاع منسوب البحر.
وتشير الدراسات إلى أن منسوب البحر المتوسط يرتفع بمعدل يتراوح بين 3 و5 ملم سنويًا، وقد يؤدي هذا إلى زيادة تُقدّر بنحو نصف متر بحلول عام 2050.
وبحلول عام 2030، يُتوقع أن يرتفع بين 7 إلى 25 سم، مما يمثل تهديدًا مباشرًا لسكان المدينة الذين يقطن جزء كبير منهم تحت خط منسوب البحر.
ويُفرض هذا التهديد المتصاعد تحركًا عاجلاً، حيث أصبح من الضروري تبني حزمة من الإجراءات الوقائية تشمل إنشاء بنية تحتية خضراء وذكية، مثل الأرصفة النافذة والحدائق المجهزة لامتصاص مياه الأمطار، والاستفادة من تقنيات حصاد مياه الأمطار واستخدامها في الزراعة، إلى جانب توسيع شبكة المصارف، وإنشاء خزانات تجميع مؤقتة.
كما يجب تعزيز نظم الإنذار المبكر وتوعية السكان، وبناء حواجز بحرية ومصبات صناعية للحد من تآكل السواحل، فضلًا عن زراعة النباتات الساحلية والكثبان الرملية لتقوية حواف الشاطئ.
فما حدث في نهاية مايو 2025 ليس سوى جرس إنذار لما قد تتعرض له الإسكندرية مستقبلاً، ما لم تُعالج أوجه القصور الحالية من خلال خطة استراتيجية متكاملة تتضمن تحديث البنية التحتية، تعزيز المرونة الحضرية، تنظيم العمران، وتكريس مفهوم الاستدامة في التخطيط الحضري، فالإسكندرية ليست مجرد مدينة، بل رمز حضاري وتاريخي لا يجب السماح بزواله أمام أمواج البحر أو غضب المناخ.