أخضر: السيارات الكهربائية.. خطوة لتخفيض البصمة الكربونية لقطاع النقل
First Bank
تتسارع وتيرة التحول نحو السيارات الكهربائية في مختلف أنحاء العالم، في محاولة حثيثة لمواجهة أزمة التغيرات المناخية وتقليص البصمة الكربونية لقطاع النقل، أحد أكثر القطاعات تلويثًا للبيئة، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل تمثل هذه الثورة التكنولوجية حلًا فعليًا لإنقاذ الكوكب، أم مجرد خطوة في طريق طويل نحو الحياد الكربوني؟
بدأت ملامح ثورة السيارات الكهربائية منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما أطلقت شركة جنرال موتورز أول سيارة كهربائية بمدى يصل إلى 160 كم للشحنة الواحدة، غير أن ضعف المدى وارتفاع التكلفة حال دون نجاح التجربة.
ثم جاءت المحاولة اليابانية عبر تويوتا بإنتاج أول نموذج هجين يجمع بين الوقود والكهرباء، تلتها نيسان بخطوات مشابهة، وصولًا إلى شركة تيسلا الأمريكية التي أحدثت تحولًا حقيقيًا عام 2008 بإطلاق أول سيارة كهربائية بالكامل يصل مداها إلى 393 كم، لتتوج نجاحها في 2012 بإطلاق Model S التي نالت العلامة الكاملة في اختبارات الأمان.
وعند تتبع المسار التاريخي لهذه الصناعة، نجد أن الدافع الاقتصادي كان المحرك الأول، فالشركات سعت إلى خفض تكلفة الوقود والصيانة للمستهلكين، ما يمنحها ميزة تنافسية، بينما لم يكن البعد البيئي في صدارة الأهداف، ومع تصاعد أزمة المناخ عالميًا، اكتسبت السيارات الكهربائية بعدًا استراتيجيًا جديدًا بوصفها أداة فاعلة في تقليص الانبعاثات وتحسين كفاءة الطاقة.
تُعد الانبعاثات الصادرة عن وسائل النقل البري أحد أبرز التحديات البيئية في العالم، إذ تشير وكالة الطاقة الدولية «IEA» إلى أن هذا القطاع مسؤول عن نحو سدس الانبعاثات الكربونية العالمية، في حين يُسهم قطاع النقل بمختلف أنواعه بنحو 20% إلى 24% من الانبعاثات المرتبطة بالطاقة.
ورغم الجهود الدولية الرامية إلى تقليص هذا الأثر، فإن الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري في وسائل النقل ما يزال يرفع معدلات استهلاك الطاقة والانبعاثات، خصوصًا في الاقتصادات الكبرى.
في المقابل، تشهد السيارات الكهربائية نموًا متسارعًا عالميًا، حيث تجاوزت مبيعاتها 17 مليون سيارة في عام 2024، لتستحوذ على أكثر من 20% من مبيعات السيارات الجديدة، ما يعكس تحولًا تدريجيًا في هيكل الطلب على الطاقة ودعمًا للجهود الرامية إلى خفض الانبعاثات في العقود المقبلة.
فعالية السيارات الكهربائية
توسعت تكنولوجيا السيارات الكهربائية لتشمل السيارات العائلية والتجارية والشاحنات الخفيفة، وأصبحت الصين اليوم اللاعب الأكبر في السوق، إذ تتصدر العالم في إنتاج البطاريات عبر شركتي «CATL» و«BYD».
ووفقًا لتقرير Global EV Outlook 2024 الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، بلغت مبيعات السيارات الكهربائية نحو 17 مليون سيارة عام 2024، بزيادة 3.5 مليون سيارة عن العام السابق، لتشكل نحو 20% من إجمالي السيارات المباعة عالميًا.
وقد أدى هذا التوسع إلى خفض استهلاك النفط بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا خلال 2024، ومن المتوقع أن يتجاوز ما بين 5 و6 ملايين برميل يوميًا بحلول 2030، إذا استمرت وتيرة النمو الحالية.
ومع ذلك فإن نجاح هذه الثورة لا يتوقف على المبيعات وحدها، بل على قدرة الدول على التحول إلى مصادر نظيفة لتوليد الكهرباء، إذ تظل انبعاثات السيارات الكهربائية «صفرية» عند العادم فقط، بينما تعتمد الانبعاثات غير المباشرة على مزيج الطاقة المستخدم في توليد الكهرباء.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ترتفع حصة الكهرباء المولدة من مصادر متجددة إلى نحو 46% عالميًا بحلول 2030، ما يعزز الأثر الإيجابي المتوقع لهذه الصناعة.
كما أظهرت دراسات المجلس الدولي للنقل النظيف «ICCT» أن السيارات الكهربائية تنتج انبعاثات أقل بنسبة تتراوح ما بين 70%–75% خلال دورة حياتها الكاملة مقارنة بسيارات البنزين في أوروبا، وهو ما يؤكد فعاليتها الحقيقية في خفض الانبعاثات على المدى الطويل.
تحديات لا تزال قائمة
وعلى الرغم من التقدم الملحوظ في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، لا تزال السيارات الكهربائية تواجه تحديات هيكلية، أبرزها نقص محطات الشحن السريع وضعف البنية التحتية للطاقة في عدد من الدول النامية، مما يحد من انتشارها السريع.
كما أن أسعارها ما زالت مرتفعة نسبيًا رغم انخفاض تكاليف الإنتاج، نتيجة ارتفاع تكلفة البطاريات والأبحاث المتطورة، ومع ذلك تحاول الحكومات دعم انتشارها عبر إعفاءات ضريبية وتسهيلات جمركية لتقليل الفجوة السعرية وتشجيع المستهلكين.
كذالك فإن الانتقال إلى النقل الكهربائي ليس الحل الوحيد لأزمة المناخ، بل جزء من منظومة متكاملة تشمل تطوير وسائل النقل العام منخفضة الانبعاثات، وتشجيع النقل المستدام داخل المدن، وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة.
أما على المستوى الدولي، فيتطلب تحقيق العدالة المناخية تعاون الدول الصناعية الكبرى مع الدول النامية في نقل التكنولوجيا وتمويل مشاريع الطاقة النظيفة.
وختامًا، يمكننا القول إن التحول إلى السيارات الكهربائية خطوة ضرورية في طريق طويل نحو الحد من الانبعاثات، لكنها ليست الحل السحري لإنقاذ الأرض من الانبعاثات الكربونية، فنجاحها الحقيقي يعتمد على مصدر الكهرباء المستخدم، ومدى تكاملها مع السياسات الداعمة للطاقة المتجددة، واستمرار الاستثمار في البحث والتطوير،ومع ذلك تبقى السيارات الكهربائية أحد أهم الأدوات الواقعية لتحقيق مستقبل أنظف وأكثر استدامة.






