FirstBank فرست بنك موقع فرست بنك فيرست بنك first bank



قاموس «First».. ما المقصود بـ«التوسع المتوازن»؟

FirstBank

يُعد التوسع المتوازن أحد المفاهيم الاقتصادية الحديثة التي تعكس قدرة الاقتصاد على النمو بمعدلات مستقرة دون توليد اختلالات هيكلية أو ضغوط تضخمية غير مرغوبة، ويقصد به تحقيق توسع في الإنتاج والاستثمار والاستهلاك بشكل متناغم ومتناسب بين مختلف القطاعات، بحيث يسير النمو الاقتصادي بوتيرة مستدامة وقابلة للاستمرار على المدى الطويل.

ورغم أن النمو السريع قد يبدو ظاهريًا مؤشرًا إيجابيًا، فإن عدم اتساقه بين القطاعات أو حدوثه بشكل غير منضبط غالبًا ما يؤدي إلى تشوهات اقتصادية، مثل ارتفاع الأسعار، أو تراكم الديون، أو تضخم قطاع معين على حساب قطاعات أخرى، وهو ما يجعل التوسع المتوازن هدفًا رئيسيًا لصانعي السياسات الاقتصادية.

وينشأ التوسع المتوازن عادةً نتيجة توافر عدة عوامل، أبرزها: زيادة الإنتاجية، وتطور البنية التحتية، وارتفاع كفاءة سوق العمل، بالإضافة إلى سياسات مالية ونقدية متوازنة تشجع الاستثمار دون الإفراط في الإقراض، وتدعم الطلب دون خلق ضغوط تضخمية، كما يتطلب هذا النوع من التوسع وجود تنسيق محكم بين القطاعات الاقتصادية المختلفة لضمان أن النمو لا يتركز في قطاع واحد دون بقية القطاعات.

وتكمن أهمية التوسع المتوازن في كونه يمنع حدوث فجوات اقتصادية قد تؤدي لاحقًا إلى اضطرابات أو أزمات؛ فعندما ينمو قطاع ما بوتيرة أسرع من القطاعات الأخرى بشكل غير مدروس، يتولد اختلال بين العرض والطلب، وقد تنشأ فقاعة سعرية أو فجوة إنتاجية، أما في حالة التوسع المتوازن، فإن النشاط الاقتصادي يتوزع بشكل صحي، ويظل سوق العمل قادرًا على استيعاب النمو، بينما تحافظ الأسعار على استقرارها النسبي.

كما أنه يعزز من صمود الاقتصاد أمام الصدمات الخارجية، إذ إن تنوع مصادر النمو وتوزعها على عدة قطاعات يقلل من الاعتماد على قطاع واحد، ويجعل الاقتصاد أكثر تماسكًا وقدرة على امتصاص التقلبات، وهو ما ينعكس إيجابًا على ثقة المستثمرين واستدامة تدفقات رأس المال.

أما من ناحية السياسات الاقتصادية، فإن تحقيق التوسع المتوازن يمثل تحديًا كبيرًا، لأنه يتطلب التنسيق بين السياسات المالية والنقدية وسوق العمل والاستثمار، إضافة إلى ضرورة وجود رؤية تنموية طويلة المدى. كما يتطلب مراقبة دقيقة للمؤشرات مثل الإنتاجية، والائتمان، والتضخم، والبطالة، لضمان ألا يتجاوز نمو أي قطاع نطاقه الطبيعي على حساب التوازن العام.

ومن أبرز النماذج التي تُستشهد بها عند الحديث عن التوسع المتوازن تجربة دول شرق آسيا في العقود الماضية، حيث استطاعت هذه الدول تحقيق نمو اقتصادي قوي دون حدوث طفرات تضخمية أو اختلالات مالية كبيرة، نتيجة تبنيها استراتيجيات تستهدف التوازن بين التصنيع، والخدمات، والتعليم، والاستثمار في رأس المال البشري.

وفي الختام، يُظهر التوسع المتوازن أن النمو الاقتصادي الفعّال ليس هو النمو السريع فقط، بل النمو الذي يتم داخل حدود آمنة ويحافظ على انسجام قطاعات الاقتصاد المختلفة، فالتوسع غير المتوازن قد يخلق فرصًا قصيرة الأجل، لكن التوسع المتوازن هو الأساس الحقيقي لتشييد اقتصاد قوي، مستدام، وقادر على مواجهة التحديات المستقبلية.