هل تكرر شركات التمويل الإستهلاكي في مصر أزمة الرهن العقاري الأمريكي؟
فاطمة عطية/ شيماء ناصر
شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة نموًا ملحوظًا في سوق التمويل الاستهلاكي، وهو القطاع الذي يتيح للأفراد الحصول على قروض قصيرة ومتوسطة الأجل لتغطية احتياجاتهم المختلفة مثل شراء السيارات، والأجهزة المنزلية، أو تغطية المصاريف الدراسية وغيرها، ويبلغ عدد شركات التمويل الاستهلاكي المرخصة حوالي 34 شركة تعمل تحت إشراف هيئة الرقابة المالية وفقًا لقانون التمويل الاستهلاكي رقم 18 لسنة 2020.
وتعتمد هذه الشركات في منح التمويلات على معايير منخفضة، حيث يتم الموافقة على القروض خلال ساعات قليلة، دون إجراء دراسة ائتمانية دقيقة أو التحقق المفصل من مستوى دخل العميل وقدرته على السداد، وهذا النمط من منح التمويل يزيد من مخاطر التعثر المالي على المستهلكين، ويضعف الرقابة على الاستخدام المسؤول للأموال المقترضة، ويزداد هذا الخطر في ظل بيئة اقتصادية تتسم عادةً بارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، ما يرفع تكلفة الاقتراض ويقلل القدرة الفعلية للأفراد على السداد، خصوصًا في التمويلات غير المدروسة.
ويشكل تضخم المبالغ الممنوحة دون دراسة دقيقة تهديدًا محتملًا لإرتفاع معدلات التعثر بين الأفراد، مما يؤدي بدوره إلى صعوبات تواجه شركات التمويل في الوفاء بإلتزاماتها تجاه البنوك الممولة لها، وهذه الحالة قد تترتب عليها اهتزازات مالية في القطاع المصرفي، خاصة إذا تزايدت حالات التعثر، وفي حال توسعت هذه الشركات في الإقراض بنفس الوتيرة دون ضبط المعايير، قد تتجه البنوك إلى تشديد الإقراض الموجه لها، ما يخلق أزمة سيولة داخل القطاع ويؤثر على القطاعات المرتبطة بالتمويل الاستهلاكي مثل الأجهزة المنزلية والسيارات.
ومع تضخم حجم التمويلات وارتفاع احتمالات التعثر، يبرز سؤال جوهري يتعلق بالإطار الرقابي الذي تعمل من خلاله هذه الشركات: هل تعمل هذه الشركات بدون ترخيص؟ لا، بل تعمل وفق قانون التمويل الاستهلاكي وتحت إشراف هيئة الرقابة المالية وعلى الرغم من أن هذه الشركات تعمل بترخيص رسمي ، إلا أن آليات الرقابة على أداء هذه الشركات أو المعايير المتبعة في منح الائتمان لم تُصبح واضحة بالكامل، ولا توجد شفافية كافية في تقاريرها المالية أو الإفصاح عن بياناتها التشغيلية، كما أن غياب الإفصاح المنتظم عن نسب التعثر وحجم المديونيات يجعل تقييم المخاطر الفعلية أمرًا صعبًا على المستثمرين والقطاع المصرفي.
ويختلف الوضع مقارنةً بالبنوك التي تقدم التمويل وفق معايير صارمة يضعها البنك المركزي المصري، مع عمليات تفتيش دقيقة، ورقابة مستمرة، واستخدام قواعد بيانات ضخمة لمتابعة أداء العملاء والمخاطر المحتملة، بينما تكتفي شركات التمويل الاستهلاكي بمستندات بسيطة تتمثل في صورة البطاقة الشخصية فقط، دون تقييم القدرة المالية للعميل بشكل مفصل، وهذا الفارق الكبير في قواعد الفحص الائتماني يجعل التمويل الاستهلاكي أكثر عرضة للمخاطر قصيرة الأجل، خاصة أنه تمويل موجّه للاستهلاك وليس للاستثمار، وبالتالي لا ينتج عنه دخول إضافية تساعد العميل على السداد.
وفي ظل هذه الظروف، يثير هذا السيناريو القلق من إمكانية تكرار أزمة مشابهة لأزمة الرهن العقاري الأمريكية (2007-2008) في مصر، إذ نشأت الأزمة الأمريكية نتيجة منح قروض عالية المخاطر دون دراسة دقيقة للقدرة على السداد، مما أدى إلى انهيار مؤسسات مالية وبنوك كبيرة وركود اقتصادي عالمي واسع، ورغم التشابه في نمط التوسع في الإقراض دون فحص كافي، فإن طبيعة سوق التمويل الاستهلاكي في مصر تختلف هيكليًا عن سوق الرهن العقاري الأمريكي، فهو أصغر حجمًا بكثير وغير مرتبط بأصول عقارية طويلة الأجل، ما يجعل احتمالات حدوث أزمة مماثلة أقل، وإن ظلت مخاطر التعثر قائمة إذا استمرت الممارسات الحالية.
وبالنظر إلى افتقار بعض شركات التمويل الاستهلاكي في مصر للشفافية وعدم الإفصاح عن تقارير مالية مفصلة بشكل دوري، يمكن القول إن المخاطر قائمة على المستهلكين والقطاع المالي على حد سواء إذا استمر الوضع دون رقابة صارمة أو تحسين إجراءات منح الائتمان، ولتفادي تفاقم هذه المخاطر، يصبح من الضروري تعزيز الربط الإلزامي مع شركة «i-Score»، وفرض قواعد تقييم ائتماني أكثر صرامة، مع نشر تقارير ربع سنوية تتضمن نسب التعثر وهيكل التمويل لضمان شفافية أكبر.












