قاموس «First»..ما المقصود بـ «الرافعة المالية المعكوسة»؟
First Bank
تمثل الرافعة المالية المعكوسة إحدى أكثر الظواهر المالية خطورة، حيث يحدث فيها تحول جذري في دور الديون من وسيلة لتعظيم الأرباح إلى عامل يضاعف الخسائر ويقوّض استقرار المؤسسات، فعندما تكون الظروف الاقتصادية جيدة، تسمح الرافعة المالية التقليدية بزيادة العائد على حقوق الملكية من خلال استخدام الديون لتمويل التوسع والاستثمار. إلا أن الصورة تنقلب رأسًا على عقب عند تراجع الأرباح أو انخفاض التدفقات النقدية، فتتحول الديون نفسها إلى عبء ثقيل يدفع المؤسسة إلى دوامة متسارعة من الخسائر، فيما يُعرف بـ الرافعة المالية المعكوسة.
وترجع أسباب ظهور هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، أبرزها الاعتماد المفرط على التمويل بالدين في فترات النمو، دون وجود خطط واضحة لإدارة المخاطر، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة أو تغير ظروف السوق بشكل مفاجئ، مما يرفع تكلفة خدمة الدين إلى مستويات غير محتملة.
كما يؤدي تراجع الإيرادات التشغيلية إلى تقليص قدرة الشركات على تغطية التزاماتها، فتبدأ هامشية الأرباح في التآكل سريعًا، ويتحوّل كل انخفاض صغير في المبيعات أو الأرباح إلى خسائر مضاعفة.
وتُظهر الرافعة المالية المعكوسة آثارًا عميقة على الأداء الاقتصادي للشركات، حيث يضعف مركزها المالي، وتضطر إلى بيع أصولها بأسعار منخفضة أو تقليص حجم الموظفين لتخفيف الضغوط، مما يخلق حلقة سلبية تعمّق الأزمة بدلًا من احتوائها. وفي بعض الحالات، تؤدي هذه الديناميكية إلى تعثر مالي أو حتى إفلاس، لا سيما إذا كان لدى الشركة التزامات قصيرة الأجل لا يمكن إعادة تمويلها بسهولة في ظل أوضاع السوق المتدهورة.
وعلى المستوى الأوسع، تُعد الرافعة المالية المعكوسة تهديدًا للاستقرار المالي الكلي، إذ يمكن أن يمتد تأثيرها إلى قطاعات أخرى نتيجة الترابط بين المؤسسات المالية والأسواق، وقد يؤدي تراجع شركة كبرى مثقلة بالديون إلى عدوى مالية تنتقل إلى البنوك والمستثمرين وسلاسل التوريد، مما يعزز المخاطر النظامية داخل الاقتصاد.
ولمواجهة الرافعة المالية المعكوسة، تحتاج المؤسسات إلى حوكمة مالية صارمة تتضمن إدارة حذرة للديون، ووضع سيناريوهات للطوارئ، والاحتفاظ بهوامش أمان نقدية مناسبة، إلى جانب تطبيق سياسات رقابية تعزز الشفافية والمرونة المالية.
كما تلعب الجهات التنظيمية دورًا حاسمًا في تقليل هذه المخاطر من خلال فرض حدود للديون، وتشجيع تقييمات المخاطر الدورية، والتأكد من قدرة الشركات على تحمل الصدمات قبل منحها تسهيلات تمويلية كبيرة.






