قاموس «First».. ما المقصود بـ «الاختلال المالي المزدوج»؟
First Bank
يُعد الاختلال المالي المزدوج أحد أخطر المظاهر الاقتصادية التي تواجهها الدول، ويقصد به تزامن عجزين ماليين كبيرين في وقت واحد: عجز الموازنة العامة وعجز الحساب الجاري، وهو ما يشير إلى وجود خلل هيكلي عميق في الاقتصاد يصعب معالجته بالحلول السطحية أو قصيرة المدى.
ورغم أن حدوث أحد العجزين قد يكون مقبولًا في سياقات معينة، فإن اجتماعهما معًا يخلق ضغوطًا شديدة على المالية العامة والقطاع الخارجي، ويجعل الاقتصاد أكثر عرضة للصدمات وتقلبات الأسواق الدولية.
وينشأ الاختلال المالي المزدوج غالبًا نتيجة ارتفاع النفقات الحكومية عن الإيرادات في ظل ضعف القاعدة الضريبية أو سوء توجيه الإنفاق، بالتوازي مع اتساع فجوة الواردات مقارنة بالصادرات، بسبب ضعف القدرة الإنتاجية أو الاعتماد الكبير على الخارج لتلبية الاحتياجات الأساسية.
وتكمن خطورته في أنه يطلق سلسلة من التفاعلات السلبية؛ إذ يؤدي عجز الموازنة إلى زيادة الاقتراض الحكومي وارتفاع الدين العام، بينما يؤدي عجز الحساب الجاري إلى الضغط على العملة المحلية وتآكل الاحتياطيات الأجنبية، وهو ما يرفع تكلفة الاستيراد ويزيد من الأعباء التضخمية.
كما يتسبب الاختلال المالي المزدوج في تقييد خيارات السياسات؛ فالحكومة تصبح غير قادرة على اتباع سياسة توسعية دون زيادة الدين، والبنك المركزي يجد نفسه مضطرًا للدفاع عن العملة عبر رفع الفائدة، مما يضعف الاستثمار ويبطئ النمو، ويُعمّق المشكلة بدل معالجتها.
وعلى مستوى الاستقرار المالي، يؤدي هذا الوضع إلى ضعف ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، وزيادة مخاطر التخارج من الأسواق، وارتفاع تكلفة التمويل الخارجي، ما قد يدفع الدولة نحو أزمات متتالية إذا لم تتم معالجة الاختلالات جذريًا.
وتبرز تجارب عديدة لدول واجهت الاختلال المالي المزدوج، حيث اضطرت إلى تطبيق برامج إصلاح واسعة تشمل إعادة هيكلة المالية العامة، وتطوير منظومة الضرائب، وتعزيز القدرة الإنتاجية والتصديرية، وتقليل الاعتماد على الواردات، بهدف استعادة التوازن بين القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وفي الختام، يُظهر الاختلال المالي المزدوج أن قوة الاقتصاد لا تُقاس بمؤشر واحد، بل بتوازن شامل بين المالية العامة والقطاع الخارجي، إذ إن استمرار العجزين معًا لفترات طويلة يقوّض الثقة، ويحدّ من القدرة على النمو، ويجعل مسار التعافي أكثر صعوبة وتعقيدًا.











