أخضر: المناخ وسلاسل الإمداد في مصر.. أزمة خفية تهدد الاقتصاد
First Bank

تواجه مصر تحديات متزايدة نتيجة التغيرات المناخية، التي أصبحت تؤثر بصورة مباشرة وغير مسبوقة على استقرار واستدامة سلاسل التوريد في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ويرتبط ذلك بظواهر مناخية متطرفة تشمل ارتفاع درجات الحرارة، تزايد موجات الجفاف، الفيضانات المفاجئة، وارتفاع مستوى سطح البحر، مما يؤثر سلبًا على كفاءة نقل البضائع، إنتاج المحاصيل، وتوافر المواد الخام، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف التشغيلية واضطرابات في حركة التجارة والإمداد المحلي والدولي.
فعلى صعيد القطاع الزراعي، الذي يمثل أحد الأعمدة الحيوية لسلاسل التوريد في مصر، يظهر التأثير المناخي في انخفاض إنتاجية المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة والأرز، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتراجع الموارد المائية.
وتشير دراسات متخصصة إلى أن إنتاجية القمح في مصر قد تنخفض بنسبة تصل إلى 20% بحلول عام 2060 إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع على هذا النحو.
كما يساهم تسرب المياه المالحة إلى الأراضي الزراعية في دلتا النيل – نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر – في تدهور جودة التربة وتهديد الأمن الغذائي، وهذا التأثير لا يقتصر على الإنتاج فقط، بل يمتد إلى سلسلة النقل والتوزيع، حيث يؤدي انخفاض الإنتاج إلى ارتفاع الأسعار، وزيادة الاعتماد على الاستيراد، مما يخلق ضغطًا على سلاسل الإمداد الغذائي.
ومن ناحية آخرى، فإن التغير المناخي يؤدي إلى أضرار مباشرة على الطرق وشبكات السكك الحديدية والموانئ، مما يعطل حركة البضائع ويزيد من تكاليف النقل واللوجستيات، فعلى سبيل المثال، أدت موجات السيول التي اجتاحت مناطق في البحر الأحمر وجنوب سيناء إلى توقف مؤقت في عمليات النقل، وتعطل سلاسل التوريد في مناطق عديدة.
وتزداد المخاطر عندما يتعلق الأمر بمشروعات قومية كبرى مثل قناة السويس، حيث تُعدّ هذه الممرات المائية عرضةً لتأثيرات التغير المناخي كارتفاع منسوب البحر، مما قد يؤثر على حركة التجارة العالمية ومرور السفن.
كما يُعد التغير المناخي عاملًا مؤثرًا في استقرار الإنتاج الصناعي وكفاءة التشغيل، والصناعات التي تعتمد على المياه، مثل الصناعات الغذائية والكيماوية، والتي تواجه مخاطر كبيرة في ظل التغيرات المناخية التي تؤدي إلى ندرة المياه.
كما أن موجات الحر الشديد تتسبب في زيادة استهلاك الطاقة لتبريد المصانع والعمال، مما يؤدي إلى ارتفاع في التكاليف التشغيلية، وتنعكس هذه التأثيرات في النهاية على سلاسل الإمداد والإنتاج، حيث تضطر المصانع أحيانًا إلى تقليل الطاقة الإنتاجية أو تأجيل الشحنات نتيجة للظروف المناخية الطارئة.
ولمواجهة هذه التحديات، بدأت مصر في تنفيذ عدد من الإجراءات الوقائية والاستراتيجية للتخفيف من آثار التغير المناخي على سلاسل التوريد، ومن أبرز هذه الجهود: تعزيز البنية التحتية من خلال إقامة سدود وحواجز لمواجهة الفيضانات، وتحديث شبكات النقل لزيادة مرونتها في مواجهة الظروف المناخية المتغيرة.
كما تتجه مصر إلى التوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة لتقليل الانبعاثات وتحقيق كفاءة أكبر في استهلاك الطاقة، إلى جانب تحسين إدارة الموارد المائية عبر تطبيق تقنيات الري الحديث في الزراعة.