أخضر: الزلازل بين الظاهرة الطبيعية ومتطلبات التخطيط المستدام
First Bank

مع تنامي الاهتمام العالمي بقضايا التنمية المستدامة، برزت الحاجة إلى دمج مفاهيم مقاومة الكوارث الطبيعية ضمن سياسات التخطيط الحضري والبنية التحتية، بما يضمن حماية الأرواح والممتلكات وتحقيق التوازن بين التقدم العمراني والأمان البيئي.
وتُعد الزلازل من الظواهر الطبيعية ذات التأثير العميق على حياة الإنسان والمجتمع، حيث تتسبب في خسائر بشرية ومادية جسيمة قد تحدث في ثوانٍ معدودة، ورغم أن الزلازل ظاهرة جيولوجية لا يمكن منعها، إلا أن فهم أسبابها، وآليات حدوثها، وسبل التخفيف من آثارها أصبح من الضروريات العلمية والعملية في عصرنا الحديث.
تحدث الزلازل نتيجة لحركة الصفائح التكتونية التي تشكل القشرة الأرضية، حيث تؤدي هذه الحركة إلى تراكم ضغوط هائلة في باطن الأرض، تتحرر فجأة عندما لا تستطيع الصخور المحيطة تحمّلها.
كما ترتبط بعض الزلازل بالنشاط البركاني، إذ قد تسبب حركة الصهارة داخل الأرض اهتزازات تُعرف بالزلازل البركانية، إضافةً إلى ذلك، أظهرت الدراسات الحديثة أن أنشطة بشرية مثل استخراج المياه الجوفية والنفط والغاز الطبيعي، وبناء السدود الضخمة، قد تسهم في إحداث زلازل اصطناعية نتيجة للإخلال بتوازن الضغوط الأرضية.
وترتبط هذه الظاهرة ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الاستدامة، إذ يتطلب لتحقيق التنمية المستدامة أن يكون لك القدرة على التكيف مع المخاطر البيئية وتقليل آثارها، ومن هذا المنطلق أصبحت المدن المقاومة للزلازل نموذجًا متقدمًا للتخطيط الحضري الذي يهدف إلى تقليل المخاطر الناتجة عن الكوارث الطبيعية، من خلال دمج مبادئ الوقاية والسلامة في تصميم البنية التحتية والمباني.
ويعتمد هذا المفهوم على عدة عناصر أساسية، منها تطبيق الأكواد الهندسية الخاصة بالزلازل في جميع المنشآت، وإنشاء مبانٍ مرنة قادرة على امتصاص الطاقة الزلزالية دون الانهيار، بالإضافة إلى توزيع المناطق السكنية والخدمية بعيدًا عن خطوط الصدع والتربة الهشة.
كما تعتمد المدن المقاومة للزلازل على تطوير أنظمة إنذار مبكر، وتوفير ممرات إخلاء واضحة، وتعزيز الوعي المجتمعي حول سبل التصرف أثناء وقوع الزلازل.
وتجدر الإشارة إلى أن مصر، رغم وقوعها خارج نطاق الحزام الزلزالي النشط عالميًا، شهدت عدة زلازل ملحوظة، من أبرزها زلزال القاهرة في أكتوبر 1992 الذي بلغت قوته 5.8 درجة على مقياس ريختر، وأسفر عن مئات القتلى وآلاف الجرحى، إضافة إلى تدمير عدد كبير من المباني.
كما شهدت البلاد زلزالًا بتاريخ 4 أكتوبر 2023 في البحر المتوسط، بلغت قوته 5.0 درجات وشعر به سكان الإسكندرية وبعض المحافظات الساحلية دون وقوع أضرار تُذكر، وآخيرًا الزلزال الذي شهدته مصر مساء الثلاثاء الماضي بقوة 6.4 على مقياس ريختر والذي استمر لثوانٍ معدودة ولم يسفر عن وقوع إصابات.
وتُسجّل مصر بشكل متكرر هزات أرضية خفيفة إلى متوسطة خاصة في مناطق البحر الأحمر وخليج العقبة، ما يُحتم تعزيز استراتيجيات الوقاية والاستعداد، ولذلك بدأت خلال السنوات الأخيرة في تطوير مدن جديدة تأخذ في الاعتبار معايير الأمان الزلزالي، أبرزها: العاصمة الإدارية الجديدة، التي تم تصميمها وفقًا لأحدث الأكواد المصرية للبناء، مع مراعاة عوامل الأمان الجيولوجي وتوزيع الخدمات بشكل مدروس.
كما يتم حالياً مراجعة وتصنيف المناطق الأكثر عرضة للنشاط الزلزالي في مصر، لاستخدام تلك البيانات في توجيه التخطيط العمراني والتوسعات السكنية المستقبلية، ويُعد هذا التوجه خطوة مهمة نحو تحقيق رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، وضمان بنية تحتية أكثر مرونة واستدامة في مواجهة الكوارث.
وتشير تقارير هيئة الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR) إلى أن الاستثمار في البنية التحتية المقاومة للزلازل يُقلل من الخسائر بنسبة تصل إلى 80%، في حين يؤكد البنك الدولي أن كل دولار يُستثمر في الوقاية يُوفر ما بين 4 و7 دولارات من تكلفة الأضرار المحتملة، وعليه، فإن دمج مفاهيم الاستدامة في تصميم المدن وتطوير سياسات التكيف مع الكوارث يُعد ضرورة حتمية لضمان سلامة المجتمعات واستمرار التنمية على المدى الطويل.