قاموس «First».. ما المقصود باقتصاد الانتباه؟

يشير مصطلح اقتصاد الانتباه إلى نمط اقتصادي جديد تُقاس فيه القيمة ليس بعدد السلع أو الخدمات، بل بمدى قدرة الجهة المُعلِنة أو المُنتِجة على جذب انتباه الجمهور واحتكاره، وفي هذا السياق، يُعامل الانتباه البشري كأحد أندر الموارد، إذ لا يمكن تعويضه أو استبداله، مما يجعله محل تنافس شديد بين الشركات، والمنصات الإعلامية، ووسائل التواصل الاجتماعي، في ظل وفرة المحتوى وتعدد الخيارات، لم تعد المشكلة في الوصول إلى المعلومات، بل في قدرتنا على التركيز واختيار ما نمنحه من وقت واهتمام.
قام بإطلاق هذا المصطلح لأول مرة هيربرت سيمون عالم الاقتصاد الأميركي والحائز على جائزة نوبل، حين لاحظ أن وفرة المعلومات تخلق نقصًا في شيء آخر أكثر أهمية، وهو انتباه الإنسان، وأكد سيمون أن الثروة من المعلومات تولد فقرًا في الانتباه، وهو ما وضع الأساس النظري لفهم كيف أصبحت أعين الناس ووقتهم هما البضاعة الأغلى في السوق الرقمي الحديث.
وتتزايد أهمية هذا المفهوم في ظل الانتشار الواسع للتكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث يُعتبر الانتباه هو العملة الفعلية التي يتم تداولها، وتعتمد شركات مثل فيسبوك، ويوتيوب، وتيك توك، وحتى مواقع الأخبار على جذب المستخدم وإبقائه أطول فترة ممكنة، لأن كل دقيقة انتباه تُترجم إلى أرباح مادية، وهكذا يتحول انتباه الفرد إلى مورد اقتصادي، يُباع ويُشترى ويتم الاستثمار فيه.
وهناك أمثلة متعددة توضح كيفية عمل اقتصاد الانتباه في الواقع، فالمنصات الاجتماعية تعتمد على خوارزميات دقيقة تُصمم خصيصًا لعرض المحتوى الأكثر جاذبية أو استفزازًا، بهدف إبقاء المستخدم منشغلًا لأطول وقت ممكن، كما تصمم التطبيقات بعناية، من حيث الألوان والواجهات البصرية، بطريقة تجذب العين وتحفز الاستخدام، وترسل إشعارات مستمرة لتدفع المستخدم للعودة مرارًا وتكرارًا.
وفي مجالات الترفيه مثل المسلسلات، والأفلام، أو ألعاب الفيديو، تُبنى التجربة بالكامل على مبدأ احتكار وقت المستخدم وتركيزه، من خلال تقنيات الإغراء البصري وتتابع الحلقات أو المستويات دون انقطاع، ولا يقتصر هذا التنافس على المنصات الترفيهية فقط، بل يمتد إلى السياسة والإعلام، حيث تُستخدم عناوين مثيرة وصور لافتة لاستدراج الانتباه وسط زحام المحتوى والمعلومات.
يفرض هذا الواقع تحديات كبيرة على الفرد والمجتمع، إذ يجب على كل منا أن يُدرك أن انتباهه ليس مجرد رد فعل عفوي، بل أصل يُستهدف ويُستثمر، ولم يعد التحكم في الوقت أو المعلومات كافيًا، بل أصبحت الحاجة ماسة إلى إدارة الوعي والانتباه، حيث أن في عالم يزداد ضجيجه، تصبح القدرة على التركيز اختيارًا واعيًا لا يُقدَّر بثمن، لأن من يتحكم في انتباهك، يتحكم تدريجيًا في أولوياتك وقراراتك وربما حتى في رؤيتك للعالم.