FirstBank فرست بنك موقع فرست بنك فيرست بنك first bank



أخضر: بلاستيك العصر الحديث.. راحة مؤقتة بثمن بيئي قاتل

FirstBank

مع تصاعد القلق العالمي من التدهور البيئي والتغيرات المناخية، تبرز النفايات البلاستيكية كأحد أخطر التهديدات الصامتة التي تواجه كوكب الأرض، فهذه المادة التي صُممت لتكون مرنة، خفيفة، ورخيصة، تحوّلت اليوم إلى عبء بيئي، يُفسد التربة، ويُخنق المحيطات، ويتسرب إلى أجسام الكائنات الحية بما في ذلك الإنسان.

لا تقتصر خطورة البلاستيك على مظهره كنفايات مرئية، بل تمتد إلى تأثيرات خفية وأعمق، تبدأ بتحلله إلى جزيئات دقيقة تُعرف بالميكروبلاستيك، تختلط بالماء والهواء والغذاء، وتنتقل عبر السلاسل الغذائية إلى الإنسان، كما تُسهم هذه المواد بشكل مباشر في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة عبر عمليات إنتاجه ونقله وحرقه، ما يجعله جزءًا من حلقة التغير المناخي الكبرى.

من اختراع مفيد إلى أزمة بيئية شاملة

في بدايات القرن العشرين، مثّل البلاستيك الاصطناعي نقطة تحول كبرى في الصناعة الحديثة، لما وفره من مرونة في الاستخدام، وتكلفة منخفضة، وقدرة عالية على مقاومة التآكل والتغيرات المناخية، ومع التوسع في الإنتاج، بات البلاستيك جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بدءًا من زجاجات المياه وأكياس التسوق، إلى مكونات السيارات وأجهزة الرعاية الطبية.

إلا أن هذه "المعجزة الصناعية" سرعان ما كشفت عن وجهها الآخر، حين بدأ العالم يُدرك أن هذا المنتج، الذي لا يتحلل بسهولة، قد أصبح مصدرًا لتلوث طويل الأمد يهدد البيئة وصحة الإنسان والكائنات الحية.

يُقدّر أن العالم ينتج حاليًا أكثر من 430 مليون طن من البلاستيك سنويًا، منها ما يقرب من 60% ينتهي كنفايات خلال أشهر قليلة من الإنتاج.

وتكشف تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن ما يزيد عن 11 مليون طن من البلاستيك تُلقى سنويًا في المحيطات، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى 29 مليون طن بحلول عام 2040 إذا لم يتم اتخاذ تدابير صارمة.

هذا التراكم لا يختفي، بل يتحلل تدريجيًا إلى ما يُعرف بـ"الميكروبلاستيك"، وهي جزيئات دقيقة للغاية يقل حجمها عن 5 ملم، وتنتشر في الهواء والمياه والغذاء، بل وقد تم رصدها مؤخرًا في رئتي الإنسان، والدم.

أما على صعيد الحياة البحرية، فالأضرار كارثية، تشير تقديرات منظمة السلام الأخضر (Greenpeace) إلى أن أكثر من 700 نوع بحري مهدد بالتأثر أو الانقراض بسبب البلاستيك، من بينها السلاحف البحرية التي تبتلع الأكياس البلاستيكية ظنًا أنها قناديل بحر، والطيور التي تملأ معدتها ببقايا العبوات البلاستيكية، ما يؤدي إلى موتها جوعًا أو اختناقًا، وتزداد خطورة الأمر مع اكتشاف أن هذه الجسيمات تدخل أجسام الأسماك، ثم تنتقل إلى الإنسان عبر السلسلة الغذائية.

ومن منظور صحي، تتزايد التحذيرات بشأن آثار البلاستيك الدقيقة على الإنسان. فقد حذرت دراسات علمية من أن بعض المركبات الكيميائية المستخدمة في صناعة البلاستيك، مثل البيسفينول A والفثالات، قد تتسبب في اضطرابات هرمونية، وتؤثر على الخصوبة، والجهاز المناعي، وترتبط بزيادة معدلات الإصابة بأنواع معينة من السرطان، وخاصة في الكبد والكلى. وتُعد هذه المواد من بين المركبات التي لا تزال تُستخدم بشكل شائع في تعبئة الأغذية والمشروبات رغم التحذيرات الدولية.

أما على المستوى الاقتصادي، تظل صناعة البلاستيك واحدة من أعمدة الاقتصاد العالمي، بعوائد تتجاوز 600 مليار دولار سنويًا، وتوظف الملايين حول العالم، ما يجعل مسألة الحد منها أمرًا معقدًا، حيث أن هناك شركات كبرى في مجالات الأغذية، ومستحضرات التجميل، والتجزئة، لا تزال تعتمد اعتمادًا شبه كلي على العبوات البلاستيكية، وتقاوم التحول نحو بدائل أكثر تكلفة، مثل الورق القابل للتحلل أو المواد النباتية.

لكن العالم بدأ يتحرك، إذ قامت أكثر من 120 دولة باتخاذ خطوات لتقييد استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام، بينما أطلقت الأمم المتحدة في عام 2022 مفاوضات لوضع اتفاقية دولية ملزمة لإنهاء التلوث البلاستيكي بحلول عام 2040.

كما بدأت بعض الشركات الكبرى إعادة تصميم سلاسل إنتاجها لتقليل الاعتماد على البلاستيك، سواء من خلال زيادة نسب المواد المعاد تدويرها، أو استخدام حلول تعبئة قابلة لإعادة الاستخدام.

وختامًا، يبقى التحدي الأكبر هو تغيير سلوك المستهلك، فبدون وعي مجتمعي حقيقي بحجم المشكلة، لن تكون القوانين وحدها كافية، وهنا يأتي دور التعليم، والإعلام، والمبادرات المحلية التي تزرع ثقافة الرفض للتغليف المفرط، وتشجع على تبني عادات بسيطة مثل استخدام الأكياس القماش، أو زجاجات الشرب القابلة لإعادة الاستخدام، أو دعم المنتجات الصديقة للبيئة.