أخضر: ضغوط المناخ تشتد عالميًا.. ومعيار «SBTi» يرسم للبنوك طريق التحول الأخضر
First Bank

يشهد العالم في العقود الأخيرة تسارعًا غير مسبوق في التغيرات المناخية الناتجة عن الارتفاع الكبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون، وهذه الانبعاثات لم تعد مجرد قضية بيئية، بل تحولت إلى تحدٍ اقتصادي عالمي يهدد استقرار الأسواق ويؤثر على النمو والإنتاجية في مختلف القطاعات، فالأعاصير والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات التي تتزايد حدتها وتواترها، تُكبّد الاقتصادات خسائر بمليارات الدولارات سنويًا، وتضغط على البنية التحتية وسلاسل الإمداد، فضلًا عن تأثيرها المباشر على الأمن الغذائي والطاقة.
وفي مواجهة هذه التحديات، تم إطلاق مبادرة Based Targets Initiative «SBTi» Science في عام 2015 في إطار شراكة بين 4 جهات دولية كبرى لمساعدة المؤسسات والبنوك على وضع أهداف خفض الانبعاثات وفق أسس علمية متماشية مع اتفاق باريس للمناخ، وفي عام 2020 قدمت المبادرة معيار Net-Zero، بهدف توجيه المؤسسات المالية نحو خفض الانبعاثات لتصل إلى الصفر بحلول عام 2050.
وقد حث المعيار البنوك وشركات الاستثمار والتأمين على إعادة توجيه تمويلاتها بعيدًا عن المشروعات عالية الانبعاثات، وتوجيهها إلى مشروعات مستدامة وصديقة للبيئة، مع أهداف قصيرة ومتوسطة تمتد من 5 إلى 10 سنوات، وقد تم اختباره في أكثر من 30 مؤسسة مالية حول العالم، قبل تحديثه عام 2024 ليصبح أكثر مرونة وقابلية للتطبيق.
ويتميز المعيار بعدة ابتكارات رئيسية منها: توسيع نطاق الأصول ليشمل الشركات بمختلف أحجامها، وتحسين شفافية جرد الانبعاثات، وتمكين المؤسسات من دعم عملائها لتحقيق صافي انبعاثات صفرية، بدلًا من التركيز فقط على مسارات التمويل، كما يضع خطوات واضحة لتقليص التمويل في قطاعي إزالة الغابات والوقود الأحفوري.
وقد أصبح بنك «ING» الهولندي أول بنك عالمي تُعتمد أهدافه المناخية من «SBTi»، حيث التزم بوقف تمويل الفحم بحلول عام 2025، وبتقليص تمويل النفط والغاز تدريجيًا حتى الوصول إلى صفر بحلول 2040، وهذا الإنجاز يعكس تحولًا حقيقيًا في سياسات البنوك الكبرى تجاه القطاعات الأكثر تلويثًا.
كما انضم بنك «Commerzbank» الألماني إلى المبادرة منذ عام 2020، وأعلن في عام 2023 عن اعتماد أهدافه المناخية المرحلية لعام 2030 من قِبل «SBTi»، ليصبح واحدًا من أبرز البنوك الأوروبية التي وضعت خططًا دقيقة للتخفيض التدريجي لانبعاثات التمويل.
وحتى مارس 2025، نجحت أكثر من 150 مؤسسة مالية حول العالم في تحقيق أهداف علمية مُعتمدة من «SBTi»، مع توسع ملحوظ في الانضمام ليشمل مؤسسات من آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، بما يعزز من الطابع العالمي للمعيار.
وإلى جانب جهود وإنجازات «SBTi»، ومع تصاعد المخاطر المناخية مثل الفيضانات والجفاف، يضع مجلس الاستقرار المالي «FSB» هذه التحديات في صدارة أولوياته لضمان استقرار النظام المالي العالمي، وفي هذا الإطار، كشف تحليل صادر عن البنك المركزي الأوروبي بالتعاون مع جامعة أكسفورد أن حدوث جفاف شديد مرة كل 25 عامًا قد يعرّض نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو للخطر، أي ما يتجاوز 1.3 تريليون يورو، الأمر الذي يؤكد ضرورة دمج المخاطر البيئية بشكل أعمق في السياسات المالية والاقتصادية العالمية.
كما تجدر الإشارة إلى دور المبادرات الدولية مثل UNEP FI وPrinciples for Responsible Banking، التي تدعم البنوك بإرشادات واضحة لتحقيق أهداف الاستدامة ودمج المخاطر المناخية ضمن سياسات التمويل، مع شبكات من المؤسسات التي تمتلك تريليونات الدولارات.
وتُظهر هذه الإنجازات أن المعايير المناخية لم تعد شعارات نظرية، بل أصبحت أدوات فعّالة في تحويل القطاع المالي نحو استدامة حقيقية. والمؤسسات التي تقود هذا التحول اليوم تحمي مستقبل الاقتصاد العالمي وتُرسّخ لصورة مؤسسات مالية مسؤولة وجذابة للعملاء والمستثمرين.