مؤسسات عملاقة: «SEB».. من بنك محلي في ستوكهولم إلى لاعب بارز في الساحة المصرفية الأوروبية
First Bank

بدأت قصة مجموعة «SEB»كما نعرفها اليوم في عام 1856، حين أسّس أندريه أوسكار فالينبرغ بنكًا خاصًا حمل اسم Stockholms Enskilda Bank بهدف تمويل الصناعيين والمخترعين، ليضع بذلك الأساس الحقيقي للتمويل الصناعي في السويد.
وكان لافتًا أن البنك عيّن في عام 1864 أول موظفة في صناعة البنوك على مستوى العالم، في خطوة عكست تقدّمه المجتمعي آنذاك.
وفي عام 1972، شهدت السويد واحدة من أبرز عمليات الدمج المصرفي حين اندمج Stockholms Enskilda Bank مع منافسه Skandinaviska Banken (المؤسس عام 1864)، لينشأ الكيان الجديدSkandinaviska Enskilda Banken (SEB) ، وهي خطوة استراتيجية عززت من تنافسيته محليًا ودوليًا.
منُذ ذلك الحين، انطلقت المجموعة في مسيرة توسع دولي تدريجي، ففي مطلع الألفية الجديدة، رسّخت وجودها في ألمانيا ودول البلطيق (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا)، لتتحول إلى بنك إقليمي رائد.
كما دخلت قطاع التأمين عام 1997 عبر الاستحواذ على شركة Trygg-Hansa، وأطلقت في عام 2000 خدمات Internet Banking للأفراد، لتصبح من أوائل البنوك عالميًا التي تقدم خدمات مصرفية رقمية متكاملة.
وشهد عام 1998 اعتماد الشعار الجديد للمجموعة كجزء من توحيد العلامة التجارية. وخلال العقد الأول من الألفية الجديدة، رسخت المجموعة مكانتها الدولية بخطوات نوعية، مثل التعاون مع البنك الدولي في إصدار السندات الخضراء بين 2007 و2008، في مبادرة كانت رائدة لتعزيز التمويل المستدام عالميًا.
كما واصلت تطوير بنيتها الرقمية والتحول التدريجي إلى بنك شامل قائم على الأتمتة والابتكار، ورغم التحديات المرتبطة بالأزمات المالية والعقوبات العالمية، حافظت SEB على استقرارها المالي واستمرت في دعم الاقتصاد السويدي عبر مبادرات عملية مثل برنامج “keeping families in their homes” الذي ساعد الأسر على تجاوز تداعيات الأزمات الاقتصادية.
أنهت المجموعة عام 2024 بأداء مالي مستقر نسبيًا؛ حيث بلغ إجمالي الأصول نحو 3.76 تريليون كرونة سويدية مقابل 3.61 تريليون في 2023، بما يعكس نموًا معتدلًا في قاعدة الميزانية.
وعلى جانب الالتزامات، سجّلت المجموعة حوالي 3.53 تريليون كرونة، مدعومة بالودائع والتمويل من العملاء والمؤسسات.
أما صافي الربح فقد بلغ 35.9 مليار كرونة، منخفضًا بشكل طفيف عن 38.1 مليار في 2023، في ظل الضغوط المستمرة على هوامش الفائدة.
ورغم هذا التراجع الطفيف، حافظت المجموعة على عائد قوي على حقوق الملكية (ROE) عند مستوى 15.6% تقريبًا، بما يعكس كفاءتها التشغيلية وضبطها للتكاليف.
تولي «SEB» اهتمامًا استثنائيًا بالابتكار الرقمي كأحد ركائز نموها المستقبلي، حيث استثمرت بكثافة في البنية التحتية الرقمية، وعملت على تطوير حلول الدفع الإلكترونية وتوسيع خدماتها عبر القنوات الرقمية، مع التركيز على الأتمتة والذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء وتقديم استشارات مالية دقيقة وفعّالة.
ورغم النجاحات، لا تزال المجموعة تواجه تحديات حقيقية، أبرزها تقلبات الأسواق العالمية التي تؤثر على أرباح إدارة الأصول، إلى جانب اشتداد المنافسة من البنوك الرقمية وشركات التكنولوجيا المالية التي تقدم حلولاً أكثر سرعة وأقل تكلفة.
كما تمثل التشريعات الأوروبية الصارمة المتعلقة بالامتثال ومكافحة غسل الأموال تحديًا إضافيًا من حيث التعقيد والتكاليف، يضاف إلى ذلك الضغوط الاقتصادية الكلية مثل التضخم وتباطؤ النمو في بعض الأسواق.
وضعت المجموعة الاستدامة في صميم استراتيجيتها طويلة الأمد، متعهدة بأن تكون شريكًا رئيسيًا في مسيرة التمويل الأخضر.
ومن أبرز خطواتها إصدار سندات خضراء لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية المستدامة، وتقديم استشارات للشركات لمساعدتها على تقليل بصمتها الكربونية، فضلًا عن دمج معايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) في قرارات الإقراض والاستثمار، كما تواصل جهودها لجعل عملياتها الداخلية محايدة مناخيًا خلال السنوات المقبلة.
تمثل مجموعة SEB نموذجًا للمؤسسات المالية الأوروبية العريقة التي جمعت بين التاريخ الطويل والابتكار المستمر، فمنُذ بداياتها كأول بنك صناعي في السويد وحتى ريادتها في التمويل الرقمي والمستدام، أثبتت أنها ليست مجرد بنك تقليدي، بل شريك استراتيجي للاقتصاد والمجتمع والبيئة.
واليوم، بفضل استراتيجيتها التي توازن بين الأداء المالي القوي والالتزامات تجاه المستقبل الأخضر، تواصل المجموعة تعزيز دورها كأحد أبرز اللاعبين في القطاع المصرفي الأوروبي والعالمي.