أخضر: من بين 26 دولة.. مصر تعزز مكانتها الإقليمية بانضمامها إلى 7 دول فقط للإستفادة من برنامج صندوق الاستثمار في المناخ
First Bank

في خطوة غير مسبوقة نحو خفض الانبعاثات الصناعية، أطلق صندوق الاستثمار في المناخ «CIF» برنامج Industry Decarbonization Investment Program، وهو أول مبادرة عالمية تركز بشكل مباشر على إزالة الكربون من القطاعات الصناعية الثقيلة في الدول النامية.
ويُدار البرنامج من خلال صندوق التكنولوجيا النظيفة (Clean Technology Fund) التابع لـ «CIF» بميزانية إجمالية تصل إلى 9 مليارات دولار، مع تخصيص مليار دولار كبداية للمرحلة الأولى التي انطلقت في منتصف عام 2025.
وجاء هذا البرنامج استجابة للحاجة المتزايدة لإيجاد حلول عملية للصناعات الأكثر تلويثًا مثل الأسمنت، والصلب، والألومنيوم، والبتروكيماويات، والتي تمثل وحدها نحو ثلث الانبعاثات العالمية.
وبعد منافسة تقدمت لها 26 دولة، أعلن «CIF» عن اختيار 7 دول فقط للمرحلة الأولى، وهما «مصر، والبرازيل، والمكسيك، وناميبيا، وجنوب إفريقيا، وتركيا، وأوزبكستان»، حيث أن اختيار مصر يعكس ثقة المجتمع الدولي في قدرتها على قيادة التحول الصناعي الأخضر، خاصة في ظل استراتيجيتها الوطنية للهيدروجين الأخضر ومشروعاتها المتنامية في الطاقة المتجددة.
ومن المتوقع أن تستفيد مصر بشكل مباشر من استثمارات تقدر بمئات الملايين من الدولارات في المرحلة الأولى، مع إمكانية مضاعفتها عبر مشاركة القطاع الخاص، وتشير تقديرات صندوق الاستثمار في المناخ إلى أن كل 1 دولار يُستثمر في البرنامج قد يجذب ما يصل إلى 12 دولارًا إضافيًا من مؤسسات التمويل الدولية والقطاع الخاص.
وفي هذا الإطار، تبدو أهمية المشاركة المصرية أوضح إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الصناعة تمثل نحو 25% من الانبعاثات الوطنية، ما يجعل التمويل الأخضر فرصة مزدوجة لخفض الانبعاثات وجذب استثمارات أجنبية مباشرة (FDI)، إلى جانب خلق آلاف الوظائف الجديدة المرتبطة بالاقتصاد الأخضر.
كما أن الانخراط في هذا البرنامج يعزز من موقع مصر كمركز إقليمي محوري لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، مستفيدة من موقعها الجغرافي واتفاقياتها مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا لاستيراد الوقود النظيف. بالإضافة إلى أن اختيارها يأتي امتدادًا لدورها كمستضيف لقمة المناخ COP27، وهو ما يعزز مصداقيتها الدولية كلاعب رئيسي في ملف التحول الأخضر.
ويأتي هذا التوجه منسجمًا مع ما تشهده مصر من مشروعات رائدة في مجال خفض الانبعاثات والتحول الصناعي الأخضر، ففي منطقة العين السخنة، يجري تنفيذ مشروع Egypt Green Hydrogen بقيادة شركة Scatec النرويجية وFertiglobe، والذي يستهدف إنتاج نحو 400 ألف طن من الأمونيا الخضراء سنويًا بحلول عام 2027، ليكون أحد أكبر المشروعات في هذا المجال على مستوى المنطقة.
كما تتعاون مصر مع الشركة المصرية للبتروكيماويات ومصانع كيما بأسوان لتحويل خطوط إنتاج الأمونيا التقليدية إلى مسارات منخفضة الكربون، بما يعزز من قدرة هذه الصناعات على التكيف مع معايير الاستدامة العالمية.
وفي السياق ذاته، تتطور الاستثمارات المشتركة مع Yara Clean Ammonia في مجمع دمياط، للانتقال من إنتاج الأمونيا الزرقاء إلى الأمونيا الخضراء، وهو ما يمثل خطوة متقدمة نحو تقليل الانبعاثات وتعزيز القيمة المضافة للصادرات المصرية.
أما في قطاع الأسمنت، الذي يُعد من أكثر القطاعات المسببة للانبعاثات، فقد بدأت شركات كبرى مثل لافارج هولسيم ومجموعة السويس للأسمنت في إدماج الوقود البديل وتبني تقنيات احتجاز الكربون، بالتعاون مع مؤسسات تمويلية دولية.
وفي قطاع الحديد والصلب، يجري التخطيط لمشروعات تجريبية لاستخدام الهيدروجين بديلًا عن الفحم في عمليات الاختزال المباشر، وهي نقلة نوعية يمكن أن تضع مصر في موقع ريادي بالمنطقة إذا ما كُتب لها النجاح.
ورغم هذه الفرص الواعدة، إلا أن تنفيذ البرنامج في مصر يواجه عدة تحديات، أبرزها الحاجة إلى تطوير بنية تحتية قوية تشمل شبكات الكهرباء والنقل والموانئ لضمان كفاءة سلاسل التوريد.
كما تشكل التكلفة المرتفعة للتقنيات المتقدمة مثل احتجاز الكربون والهيدروجين الأخضر عقبة أمام التوسع السريع، إلى جانب ضرورة استكمال إطار تشريعي محفّز يضمن مشاركة أوسع من القطاع الخاص ويوفر حوافز ضريبية ومالية تعزز الجدوى الاستثمارية للمشروعات الخضراء.
ويتجاوز الهدف النهائي للبرنامج نطاق مرحلته الأولى، إذ يخطط «CIF» لتعبئة استثمارات تصل إلى 2 تريليون دولار بحلول عام 2030 لدعم الصناعات الصديقة للبيئة عالميًا، وهذا الطموح يعكس إدراكًا متزايدًا بأن التحول الصناعي الأخضر لم يعد خيارًا مطروحًا للنقاش، بل أصبح ضرورة ملحة لحماية الاقتصاد العالمي وضمان استدامته للأجيال القادمة.
ولا يقتصر دور البرنامج عند حدود التمويل، بل يشكل مظلة واسعة للتعاون بين الحكومات والبنوك متعددة الأطراف مثل البنك الدولي، و«EBRD»، و«IFC»، والبنك الأفريقي للتنمية.
وفي الحالة المصرية، شارك «EBRD» بالفعل في تمويل مشروعات الأمونيا والهيدروجين، بينما أبدت بنوك محلية مثل «CIB» والبنك الأهلي المصري اهتمامًا متزايدًا بتوسيع محافظ التمويل الأخضر، وهذه الشراكات تفتح المجال أمام نقل التكنولوجيا وتوطين المعرفة، بما يعزز تنافسية الصناعة المصرية ويضعها على مسار أكثر استدامة يواكب التحولات العالمية.