مؤسسات عملاقة: المؤسسة الدولية للتمويل .. ذراع البنك الدولي لتعزيز استثمارات القطاع الخاص في الأسواق الناشئة
First Bank

تعود جذور المؤسسة الدولية للتمويل «IFC» إلى عام 1956، حين أنشأتها مجموعة البنك الدولي كذراع مخصص لدعم وتنمية القطاع الخاص في الدول النامية.
وانطلقت الفكرة من إدراك أن التنمية المستدامة لا تقوم فقط على القروض الحكومية أو المساعدات، بل تحتاج إلى بيئة استثمارية قوية تعزز دور الشركات الخاصة في خلق فرص العمل وتحفيز النمو الاقتصادي.
منذ تأسيسها، لعبت «IFC» دورًا محوريًا في ربط رأس المال العالمي بالأسواق الناشئة، حتى أصبحت اليوم أكبر مؤسسة إنمائية دولية تركز على دعم القطاع الخاص.
وعلى مدار تاريخها، تحولت من مجرد جهة تمويلية إلى شريك استراتيجي متعدد الأبعاد، يقدم حلولًا استثمارية واستشارية وهيكلية للشركات والحكومات على حد سواء.
ومع اتساع نشاطها، تنوعت محفظتها لتشمل قطاعات استراتيجية مثل البنية التحتية والطاقة والزراعة والصحة والتعليم والخدمات المالية، وهو ما عزز قدرتها على مواجهة الأزمات العالمية، بدءًا من أزمة الديون في الثمانينيات، مرورًا بالأزمة المالية العالمية عام 2008، وصولًا إلى تداعيات جائحة «كوفيد-19» وما بعدها.
تقدم المؤسسة اليوم حزمة واسعة من الخدمات؛ فمن ناحية التمويل، تستثمر مباشرة في الشركات والمشروعات الخاصة، سواء عبر القروض أو الأسهم أو الأدوات المالية المبتكرة.
وعلى الصعيد الاستشاري، تعمل مع الحكومات على تحسين بيئة الأعمال وتطوير التشريعات التي تشجع الاستثمار الخاص، كما تساعد الشركات على تبني أفضل الممارسات في مجالات الحوكمة والكفاءة التشغيلية والاستدامة البيئية والاجتماعية.
ويبرز قطاع البنية التحتية والطاقة المتجددة كأحد أهم مجالات تركيزها، إذ تموّل مشروعات كبرى في النقل والكهرباء والطاقة الشمسية والرياح، بما يدعم التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
وأصبح الابتكار الرقمي جزءًا أصيلًا من استراتيجية «IFC»؛ فهي لا تكتفي بتقديم التمويل التقليدي، بل تستثمر في شركات التكنولوجيا المالية (FinTech)، وحلول الدفع الرقمي، والتقنيات الزراعية الذكية، ومن أبرز مبادراتها برنامج «Tech Emerge» الذي يربط المبتكرين في الأسواق المتقدمة باحتياجات الدول النامية في مجالات الرعاية الصحية والطاقة والتبريد الذكي، ما جعلها لاعبًا رئيسيًا في دمج التكنولوجيا بالتنمية المستدامة.
رغم النجاحات اللافتة، تواجه «IFC» تحديات متنامية؛ فالتباطؤ الاقتصادي العالمي والضغوط الجيوسياسية ينعكسان على تدفقات الاستثمار الخاص، كما أن ارتفاع مستويات الديون في الدول النامية يزيد من المخاطر الائتمانية.
وتبقى معضلة التوازن بين تعظيم العوائد المالية وضمان الأثر التنموي للمشروعات، خاصة في البيئات الأكثر هشاشة، من أبرز ما تسعى المؤسسة لمعالجته من خلال تطوير أدوات إدارة المخاطر، مثل تقديم الضمانات والائتمان الميسر، وتعزيز الشراكات مع بنوك التنمية متعددة الأطراف.
وتضع «IFC» الاستدامة في قلب استراتيجيتها؛ حيث أطلقت مبادرات نوعية مثل «القروض الزرقاء» لدعم حماية المحيطات والموارد البحرية، إلى جانب تمويل مشروعات الطاقة النظيفة وكفاءة استهلاك الموارد.
كما دمجت معايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) في جميع قراراتها الاستثمارية، ما يجعلها نموذجًا لمؤسسة مالية عالمية تضع التنمية المستدامة في صميم عملها.
وتلتزم أيضًا بجعل عملياتها الداخلية محايدة مناخيًا في السنوات المقبلة، مع تعزيز الشفافية من خلال تقارير دورية عن أدائها.
وتمثل المؤسسة الدولية للتمويل اليوم حجر زاوية في المنظومة المالية العالمية، ليس فقط لدورها في تمويل المشروعات الخاصة بالأسواق الناشئة، بل أيضًا كقوة دافعة للابتكار والاستدامة على مستوى عالمي، فمن خلال استراتيجيتها المتوازنة بين العوائد المالية والأثر التنموي، تواصل «IFC» إرساء حلول عملية قادرة على دفع الاقتصادات النامية نحو مستقبل أكثر شمولًا واستدامة.