أخضر: «الكوارث الطبيعية».. فاتورة الأرض التي لا تتوقف عن الارتفاع
First Bank
يشهد العالم في السنوات الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة الكوارث الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ، من أعاصير وفيضانات وحرائق وجفاف، حتى باتت تُهدد البنية التحتية والاقتصاد العالمي على نحوٍ خطير.
فالأرض اليوم تدفع ثمن عقودٍ من الانبعاثات والانتهاكات البيئية، فيما تتسع "فاتورة الخسائر" عامًا بعد عام، لتشمل الجميع بدايةً من "الاقتصادات النامية التي تتحمل النصيب الأكبر من الخسائر البشرية، إلى الدول الصناعية الكبرى التي كانت تظن نفسها في مأمن من تداعيات المناخ".
فوفقًا لأحدث تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR) لعام 2025، تُقدر الخسائر الاقتصادية المباشرة الناتجة عن الكوارث الطبيعية بنحو 202 مليار دولار سنويًا، وهو رقم يعادل تقريبًا ضعف ما كانت عليه الخسائر في مطلع الألفية، ويشير التقرير إلى أن أكثر من 1.5 مليار شخص تأثروا مباشرةً بالكوارث خلال العقد الماضي، وأن نحو 80% من هذه الكوارث مرتبطة بتغير المناخ واختلال أنماط الطقس، سواء من حيث شدتها أو تكرارها.
فيما كشف تقرير شركة Munich Re الألمانية "إحدى أكبر شركات إعادة التأمين في العالم"، أن النصف الأول من عام 2025 وحده شهد خسائر كلية تجاوزت 131 مليار دولار، منها نحو 80 مليار دولار فقط كانت مؤمنة، ما يعني أن عشرات المليارات من الدولارات ظلت خارج نطاق التغطية التأمينية لتتحملها الحكومات والسكان المحليون.
وقد تصدرت الفيضانات المدمرة في أوروبا وأمريكا الجنوبية، والعواصف القوية في أمريكا الشمالية، قائمة أكثر الكوارث كلفة خلال تلك الفترة، بينما أصبحت موجات الجفاف والحرائق في آسيا وإفريقيا تهدد الأمن الغذائي وتعمّق أزمات المعيشة في مناطق واسعة من العالم.
ورغم امتلاك أوروبا بنية تحتية متقدمة، إلا أنها لم تسلم من الخسائر، إذ تُقدر وكالة البيئة الأوروبية أن القارة تكبدت نحو 650 مليار يورو من الخسائر التراكمية بسبب الكوارث المناخية خلال العقود الأربعة الماضية.
وفي المقابل، تبدو الصورة أكثر قسوة في آسيا، حيث أدت الفيضانات الموسمية الأخيرة في الصين والهند إلى تدمير آلاف المنازل وتشريد ملايين الأشخاص، فيما يهدد الجفاف الممتد في دول رئيسية لإنتاج الأرز مثل تايلاند وفيتنام بتراجع الإنتاج بما يصل إلى 10% في المواسم التي تشهد ظروفًا مناخية قاسية.
وتؤكد هذه الحوادث المتكررة أن المناخ لم يعد مجرد قضية بيئية، بل تحول إلى عامل اقتصادي حاكم يؤثر في أسعار الغذاء والطاقة والتأمين والنمو.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن كل دولار يُستثمر في الوقاية من الكوارث يمكن أن يوفر ما بين 7 إلى 7 دولارات من تكاليف إعادة الإعمار والخسائر اللاحقة، وهو ما يجعل الاستثمار في الوقاية والتكيف مع التغير المناخي ضرورة اقتصادية لا تقل أهمية عن مشروعات التنمية نفسها.
حيث بات تعزيز البنية التحتية المقاومة للمناخ، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر، وتمويل مشروعات التكيف، أدوات رئيسية لحماية الاقتصادات من الانهيار أمام الصدمات المناخية المتكررة.
ورغم تعدد المبادرات الدولية التي تهدف إلى دعم جهود التكيف، مثل "صندوق الخسائر والأضرار" الذي تم الإعلان عنه في مؤتمر المناخ "COP28"، فإن فجوة التمويل لا تزال كبيرة، فبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تحتاج الدول النامية وحدها إلى نحو 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030 لمواجهة آثار تغير المناخ، بينما لا تحصل فعليًا إلا على أقل من نصف هذا الرقم، وتبرز هنا المفارقة الكبرى في معادلة المناخ: فالمسؤولون الرئيسيون عن الانبعاثات والتلوث هم الأقل تضررًا، بينما الدول الفقيرة التي ساهمت بنسبة ضئيلة من الانبعاثات هي الأكثر معاناة من تبعاتها.
وفي الختام، إن الكوارث الطبيعية لا تعرف حدودًا، والمناخ لا يفرق بين غني وفقير، ما يجعل التحرك الجماعي أمرًا لا يحتمل التأجيل، فالعالم يحتاج اليوم إلى تحويل التعهدات الدولية إلى تمويل فعلي، وإلى أن تُدرج الحكومات والمصارف وشركات التأمين مفهوم "المرونة المناخية" ضمن أولويات سياساتها واستثماراتها، فإما أن تتحرك البشرية بشكل استباقي لحماية كوكبها واقتصاداتها، أو أن تستعد لدفع فاتورة متصاعدة لا قدرة لأحد على تحملها.






