قاموس «First».. ماذا تعرف عن «الاختناق النقدي المتراكم»؟
First Bank
يُعد الاختناق النقدي المتراكم أحد أخطر الظواهر الاقتصادية التي قد تواجهها الدول، ويقصد به تراجع السيولة النقدية المتاحة داخل الاقتصاد بشكل متواصل ومتراكم، مما يؤدي إلى صعوبة تغطية الالتزامات التشغيلية والاستثمارية للأفراد والشركات والمؤسسات المالية.
ويعكس هذا الاختناق ضعف قدرة النظام الاقتصادي على دعم النشاط الإنتاجي والاستثماري، ويجعل الاقتصاد أكثر عرضة للتقلبات والصدمات الخارجية والداخلية.
وينشأ الاختناق النقدي المتراكم غالبًا نتيجة ارتفاع تكلفة التمويل أو تشديد شروط الإقراض، بالتوازي مع تراجع التدفقات النقدية الداخلة سواء من الإيرادات التشغيلية أو الاستثمارات، إضافة إلى تباطؤ حركة المدفوعات بين الأفراد والشركات، وهو ما يؤدي إلى تضيق السيولة في السوق وتعطل دور البنوك في ضخ الأموال بشكل طبيعي.
وتكمن خطورته في أنه يولّد سلسلة من التداعيات السلبية؛ إذ يؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي نتيجة صعوبة تمويل العمليات الإنتاجية، ويزيد التعثر المالي للشركات والأفراد، كما يحد من قدرة المؤسسات على الاستثمار، ويضعف الطلب الكلي، وهو ما يفاقم الضغوط الانكماشية ويؤثر على معدلات التوظيف والنمو.
كما يتسبب الاختناق النقدي المتراكم في تقييد أدوات السياسة النقدية التقليدية؛ فالبنوك المركزية قد تجد صعوبة في مواجهة الأزمة باستخدام أدوات مثل خفض أسعار الفائدة فقط، وقد تضطر إلى اللجوء إلى سياسات غير تقليدية مثل ضخ السيولة مباشرة ودعم القروض الاستراتيجية لضمان استمرارية النشاط الاقتصادي.
وتبرز تجارب دول واجهت الاختناق النقدي المتراكم، حيث اضطرت إلى إصلاح هيكل السيولة، وتحفيز قنوات التمويل البديلة، ودعم الاستثمار الإنتاجي، وتنشيط الطلب المحلي، بهدف إعادة النشاط إلى مساره الطبيعي وتجنب آثار الركود الطويلة والمستمرة.
وفي الختام، يُظهر الاختناق النقدي المتراكم أن السيولة الاقتصادية لا تقتصر أهميتها على حجم الأموال فقط، بل على قدرتها على تحريك النشاط الإنتاجي والمالي بشكل مستدام، إذ إن استمرار هذا الاختناق لفترات طويلة قد يقوّض الثقة في الأسواق ويجعل التعافي الاقتصادي أكثر صعوبة وتعقيدًا.
