قاموس «First»: «الحياد النقدي» مفهومه وأثره على الاقتصاد
First Bank

يكشف مصطلح «الحياد النقدي» عن أحد المبادئ الأساسية في الاقتصاد الكلي، وهو أن التغيرات في عرض النقود داخل الاقتصاد لا تؤثر في المتغيرات الاقتصادية الحقيقية مثل الناتج المحلي الحقيقي أو مستويات التشغيل، بل تُحدث هذه التغيرات أثرها فقط على المتغيرات الاسمية، كارتفاع الأسعار والأجور الاسمية، دون أن يحدث تغيير في كمية السلع أو الخدمات المنتجة.
وتبرز أهمية هذا المفهوم في النقاشات الاقتصادية المرتبطة بدور البنوك المركزية وسياساتها النقدية، فهو يُحذر من التوسّع النقدي غير المدروس، ويُظهر أن ضخ المزيد من السيولة في السوق "دون وجود زيادة مقابلة في الإنتاج أو الكفاءة" لن يؤدي إلى تنمية حقيقية بل إلى تضخم في الأسعار فقط، ولذلك لا يمكن الاعتماد على طباعة النقود وحدها كحلّ للأزمات الاقتصادية.
ونشأ هذا المصطلح من المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد، والتي افترضت أن الأسواق تتكيف ذاتيًا وأن الاقتصاد يسير نحو التوازن دون تدخل، وقد جاء كرد فعل على المبالغة في دور السياسة النقدية، وخاصة في فترات شهدت طباعة مفرطة للنقود أدت إلى ارتفاع جنوني في الأسعار دون تحسن في مستوى معيشة المواطنين، ومن هنا سعى الاقتصاديون لتوضيح أن النقود ليست سوى أداة لتيسير المعاملات الاقتصادية، لا بديلًا عن الإنتاج الفعلي.
ويساعد مفهوم الحياد النقدي صُنّاع القرار على رسم سياسات أكثر توازنًا، فإذا علم صانع السياسة أن زيادة المعروض النقدي لن تُنتج نمواً حقيقياً، فسيركز على أدوات أخرى لتحقيق أهدافه مثل تحفيز الاستثمار، وتحسين بيئة الأعمال، وزيادة الإنتاجية، كما أن هذا المفهوم يدفع البنوك المركزية للتركيز على السيطرة على التضخم بدلاً من السعي لزيادة النمو بأي وسيلة.
وتُظهر بعض التجارب التاريخية صدق هذه الفرضية، فعلى سبيل المثال في ألمانيا خلال عشرينيات القرن الماضي، قامت الحكومة بطباعة كميات هائلة من النقود لتمويل العجز، ما أدى إلى تضخم هائل، دون أي تحسن في الناتج الحقيقي. وفي حالات أخرى، مثل اليابان في التسعينيات، لم تؤدِّ السياسة النقدية التوسعية إلى نتائج اقتصادية ملموسة على المدى الطويل، ما يعكس حدود تأثير المال على الاقتصاد الحقيقي.
ويؤكد مفهوم الحياد النقدي أن قوة الاقتصاد لا تُقاس بكمية النقود المتداولة، بل بما يحققه من إنتاج حقيقي ونمو مستدام، فالنقود تبقى وسيلة، أما الأساس الحقيقي للتنمية فيكمن في العمل والإنتاج والكفاءة.
ورغم أن الحياد النقدي يشير إلى عدم تأثير التغيرات في المعروض النقدي على المتغيرات الاقتصادية الحقيقية على المدى الطويل، فإن هناك جدلًا أكاديميًا حول تأثير السياسة النقدية في الأجل القصير.
ففي بعض المدارس الاقتصادية، مثل الكينزية، نرى أن السياسة النقدية قد تؤثر مؤقتًا على المتغيرات الحقيقية (كالاستثمار والناتج المحلي) خاصة في فترات الركود، ولكن تأثيراتها هذه قد تتلاشى مع مرور الوقت، وهذا يعكس الحاجة إلى توازن دقيق بين السياسة النقدية الأخرى، مثل السياسات المالية والتحفيزية.