أخضر: التغير المناخي في مصر.. خطر متصاعد على البيئة والاقتصاد
First Bank

تشهد مصر تغيرات مناخية متسارعة بدأت تترك آثارًا واضحة على درجات الحرارة وأنماط سقوط الأمطار، وهي تغيرات لم تعد مجرد توقعات مستقبلية بل أصبحت واقعًا ملموسًا، فقد سجلت مصر ارتفاعًا ملحوظًا في متوسط درجات الحرارة، بلغ نحو 1.5 درجة مئوية منذ ستينيات القرن الماضي، مع توقعات بزيادات إضافية في خلال الأعوام القادمة، هذا الارتفاع يؤدي إلى زيادة عدد الأيام شديدة الحرارة، خصوصًا في محافظات الصعيد والمناطق الصحراوية، ويزيد من الضغط على قطاعات مثل المياه والطاقة والزراعة.
أما فيما يخص الأمطار، فقد باتت مواعيدها وكمياتها أكثر اضطرابًا من أي وقت مضى، إذ أصبحت بعض المناطق تعاني من ندرة في هطول الأمطار، في حين تشهد مناطق أخرى سقوطًا مفاجئًا وكثيفًا للأمطار في فترات قصيرة، ما يؤدي إلى حدوث سيول مدمرة.
هذه التغيرات تؤثر سلبًا على التربة، وتُضعف قدرة الأرض على الامتصاص، وتؤدي إلى تدهور المحاصيل الزراعية وزيادة احتمالية التصحر، وهو ما يهدد الأمن الغذائي والمجتمعات الزراعية الهشة.
الأبعاد البيئية لتغير المناخ في مصر
يمتد أثر التغيرات المناخية في مصر إلى البيئة الطبيعية، محدثًا خللًا في النظم البيئية والتوازن البيولوجي، فمع ارتفاع درجات الحرارة وتراجع الأمطار المنتظمة، تزداد معدلات التصحر، وتفقد الأراضي الزراعية خصوبتها تدريجيًا، مما يؤدي إلى تقليص المساحات الخضراء.
كما أن التنوع البيولوجي في الأراضي الرطبة والدلتا مهدد، بفعل ارتفاع درجات الملوحة الناتج عن تراجع تدفق مياه النيل وارتفاع منسوب البحر، بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الكائنات النباتية والحيوانية مهددة بالانقراض بسبب تغير فصول التزهير والتكاثر، ما يعكس حجم التهديد البيئي الذي تفرضه هذه التغيرات.
التأثير الاقتصادي للتغيرات المناخية
من الجانب الاقتصادي، تمثل التغيرات المناخية تحديًا ضخمًا أمام الدولة المصرية، إذ تؤثر على قطاعات حيوية مثل الزراعة والطاقة والسياحة، ففي الزراعة، تشير التقديرات إلى أن إنتاجية محاصيل استراتيجية كالأرز والقمح قد تنخفض بنسبة تصل إلى 18% بحلول عام 2050، بسبب الإجهاد الحراري وتغير مواسم الزراعة.
كما أن الطلب المتزايد على الكهرباء نتيجة استخدام المكيفات وأجهزة التبريد خلال فترات الصيف يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الطاقة، في الوقت نفسه، تتعرض البنية التحتية للضرر بسبب السيول والفيضانات المفاجئة، مما يحمّل الدولة أعباء مالية إضافية لإصلاح الطرق والمرافق الحيوية.
أما قطاع السياحة، فيتأثر بتآكل الشواطئ الساحلية، خاصة في الإسكندرية والساحل الشمالي، إلى جانب تأثير موجات الحر على الوجهات السياحية في صعيد مصر.
تآكل السواحل في مصر بفعل التغير المناخي
من أبرز مظاهر التأثير المناخي في مصر ظاهرة تآكل السواحل الشمالية، لا سيما في دلتا النيل، يعود ذلك إلى عدة عوامل متداخلة، منها ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط نتيجة ذوبان الجليد القطبي وتمدّد المياه، وتراجع كمية الرواسب التي كانت تصل إلى الشواطئ منذ بناء السد العالي.
كما تؤدي السيول والعواصف البحرية المصاحبة للأمطار الغزيرة إلى تسارع تآكل الشواطئ، خصوصًا في مناطق مثل رأس البر، وبلطيم، ودمياط الجديدة، هذه الظاهرة تشكل تهديدًا مباشرًا للمدن الساحلية، وللأراضي الزراعية المنخفضة، وتؤثر على أنظمة الصرف الصحي والبنية التحتية.
تشير الدراسات إلى أن استمرار التآكل قد يؤدي إلى فقدان آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية، وتراجع خط الشاطئ لمسافات كبيرة خلال العقود القادمة، إذا لم تُتخذ إجراءات وقائية فعالة.
وللتعامل مع هذا الخطر، أطلقت الحكومة عدة مشروعات لحماية الشواطئ بدعم دولي، مثل "مشروع تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية في السواحل الشمالية ودلتا النيل"، الذي يهدف إلى تحصين أكثر من 69 كيلومترًا من السواحل المهددة، باستخدام حواجز طبيعية وهندسية متقدمة.
أمام هذا المشهد المناخي المعقد، تبرز الحاجة الملحة لوضع وتنفيذ سياسات وطنية متكاملة للتكيف مع التغير المناخي، ويشمل ذلك التوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتحديث نظم الري والزراعة، وتشجيع الابتكار البيئي، إلى جانب تعزيز دور المجتمع المدني والقطاع الخاص في تنفيذ حلول قائمة على الطبيعة، كما أن دعم البحث العلمي، وبناء نظم إنذار مبكر، وتحسين كفاءة استخدام المياه، يُعد من العوامل الحاسمة لضمان قدرة مصر على مواجهة التحديات المناخية في المستقبل القريب والبعيد.