أخضر: حين يدفع الأبرياء الثمن.. الكوارث المناخية تفتك بشعوب لم تستفد من الثورة الصناعية
First Bank

لم يعد التغير المناخي مجرد قضية بيئية بحتة، بل تحول إلى أزمة إنسانية واقتصادية شاملة تفرض نفسها يومًا بعد يوم، فخلال العقود الأخيرة، شهد العالم تصاعدًا غير مسبوق في الكوارث الطبيعية التي تضاعفت حدتها وتواترها؛ من حرائق الغابات في كندا واليونان، إلى موجات الجفاف في القرن الأفريقي، وصولًا إلى الفيضانات العارمة التي أغرقت مدنًا كاملة في آسيا وأوروبا.
ولم يعد هناك مكان بعيد عن آثار الاحتباس الحراري، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث المناخية تضاعفت بنحو ثلاث مرات خلال الأربعين عامًا الماضية، فيما تُقدّر الخسائر السنوية عالميًا بأكثر من 300 مليار دولار.
وفي السودان، تجسد هذا الواقع مؤخرًا في واحدة من أبشع الكوارث التي عرفها الإقليم؛ حيث تسببت موجه من الأمطار الغزيرة في انزلاق أرضي بجبل مرة في دارفور، ما أدى إلى جرف قرية كاملة وأودت بحياة نحو ألف شخص وفق تقديرات أولية، وكان الناجي الوحيد شاهدًا على هشاشة المجتمعات الريفية أمام تغيرات طبيعية صارت أكثر قسوة بفعل ارتفاع حرارة الكوكب.
ولم يقتصر الأمر على فقدان الأرواح، بل فقدت مئات الأسر مساكنها وأراضيها الزراعية، ما ينذر بموجات نزوح داخلي وأزمات غذائية ممتدة تهدد استقرار الإقليم.
وهذا المشهد يعيد إلى الأذهان كوارث مشابهة شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة؛ مثلما حدث في ألمانيا عام 2021 إذ أودت الفيضانات بحياة أكثر من 180 شخصًا وتسببت بخسائر تجاوزت 30 مليار يورو، بينما غرقت مدينة تشنغتشو الصينية في فيضانات أدت إلى وفاة المئات، وذلك يسلط الضوء على أن الرسالة واحدة: الكوارث المناخية لم تعد استثناء، بل أصبحت القاعدة الجديدة.
غير أن جوهر الأزمة يكمن في مفارقة غير عادلة؛ فالدول النامية، مثل السودان، لم تكن سببًا رئيسيًا في أزمة المناخ، حيث أن الانبعاثات التي تراكمت عبر قرنين تعود جذورها إلى الثورة الصناعية التي قادتها أوروبا والولايات المتحدة، قبل أن تلحق بهما الصين وروسيا كأكبر مصدرين للانبعاثات حاليًا.
ورغم أن مساهمة أفريقيا بأكملها في الانبعاثات العالمية لا تتجاوز 4%، فإنها تتحمل اليوم النصيب الأكبر من الكلفة الإنسانية والاقتصادية، وهنا يبرز مفهوم العدالة المناخية، الذي بات محورًا للنقاش العالمي، خصوصًا بعد إقرار صندوق الخسائر والأضرار في قمم المناخ الأخيرة (COP27 وCOP28)، والذي يهدف إلى تعويض الدول الأكثر هشاشة عن الخسائر التي لم تتسبب فيها.
ولا ينبغي أن يقتصر الدعم الدولي على الإغاثة الطارئة بعد وقوع الكوارث، بل يجب أن يتضمن تمويلات موجهة لبناء أنظمة إنذار مبكر، وتطوير بنية تحتية مقاومة للفيضانات والانزلاقات الأرضية، وتوسيع مشروعات التكيف مع الجفاف والتصحر، إذ تحذر تقارير البنك الدولي من أن عشرات الملايين في أفريقيا قد يضطرون للنزوح الداخلي بسبب تغير المناخ بحلول عام 2050، ما لم تتوافر خطط تمويلية قوية واستثمارات في البنية التحتية تستبق هذه التحديات.
وفي الوقت الذي تتسابق فيه الدول المتقدمة لإطلاق مبادرات خضراء وتبني استراتيجيات الحياد الكربوني، يبقى السؤال قائمًا: أين موقع الدول النامية في هذه المعادلة؟ وهل يمكن تحقيق عدالة مناخية حقيقية دون أن تلتزم الاقتصادات الكبرى بمضاعفة تمويلها المناخي وتعويض الدول الأكثر هشاشة عن أضرارًا لم تتسبب فيها؟