رواد من مصر: من قاعات الجامعات إلى قيادة اليونسكو.. رحلة خالد العناني بين العلم والإدارة
First Bank

يُعد خالد العناني، المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» واحدًا من أبرز القيادات المصرية ذات الحضور الدولي، وأحد الوجوه الأكاديمية والإدارية التي جمعت بين الرؤية العلمية والخبرة التنفيذية في مجالات التعليم والثقافة والبحث العلمي والسياحة والتنمية المستدامة والعلاقات الدولية.
وخلال مسيرته المهنية التى تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، رسخ «العناني» مكانته كأحد أبرز الأصوات الداعمة للحوار الثقافي وحماية التراث الإنساني، وحقق إنجازات ملموسة في مختلف مواقع المسؤولية التي تقلدها داخل مصر وخارجها، ما أهّله بجدارة لقيادة منظمة اليونسكو، المؤسسة الدولية المعنية بتعزيز قيم السلام والحوار والتعاون بين الشعوب.
بدأ «العناني» مسيرته التعلمية بحصوله على درجة البكالوريوس في الإرشاد السياحي من كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان، حيث وضع خلالها أسس اهتمامه العميق بالحضارة المصرية، وواصل دراساته العليا في الجامعة ذاتها ليحصل على درجة الماجستير في علم المصريات، متعمقًا في دراسة الحضارة المصرية القديمة ومناهج البحث الأثري.
ثم توّج مسيرته العلمية بالحصول على درجة الدكتوراه في علم المصريات من جامعة بول فاليري – مونبلييه في فرنسا، إحدى أعرق الجامعات الأوروبية المتخصصة في دراسات الحضارة والآثار، وقد شكّل هذا المسار الأكاديمي المتدرج قاعدة معرفية راسخة أسهمت في بلورة رؤيته المتكاملة للتراث الثقافي، ومهّدت لانطلاقه في مسيرة مهنية وعلمية استثنائية.
ويمتلك خالد العناني خبرة أكاديمية عميقة في مجالي التدريس والبحث العلمي، حيث انطلق في مسيرته الأكاديمية من شغفه بالتراث الثقافي والحضارة المصرية القديمة، والتحق بهيئة التدريس في جامعة حلوان، حيث عُين معيدًا بقسم الإرشاد السياحي بكلية السياحة والفنادق، وتدرج في المناصب الأكاديمية حتى بلغ درجة أستاذ متفرغ، مقدّمًا إسهامات متميزة في تطوير مناهج اللغة المصرية القديمة والحضارة والأثار
وخلال مسيرته في جامعة حلوان، تولى عددًا من المناصب الإدارية والتنفيذية، من بينها مدير مركز التعليم المفتوح بجامعة حلوان، ورئيس قسم الإرشاد السياحي بكلية السياحة والفنادق، ثم نائب عميد الكلية، كما شغل منصب المنسق الأول لبرنامج ماجستير دراسات المتاحف بجامعة الفيوم، وأشرف على أكثر من 25 رسالة ماجستير ودكتوراه في الجامعات المصرية.
كما شغل خالد العناني منصب باحث مشارك وخبير في علم المصريات بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية، حيث أولى اهتمامًا خاصًا بتطوير القدرات البحثية والعلمية للباحثين المصريين، وإتاحة الفرص أمامهم للتفاعل مع المؤسسات الأكاديمية الدولية.
وفي إطار نشاطه الأكاديمي العالمي، تولى منصب أستاذ زائر بجامعة بول فاليري – مونبلييه في فرنسا، حيث أسهم في تدريس علم المصريات وإجراء البحوث المتخصصة في هذا المجال، إلى جانب مشاركته في مناقشة عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه، ما رسخ مكانته كأحد أبرز الأكاديميين المصريين على الساحة الدولية في مجال علم المصريات.
وعُين «العناني» وزيرًا للآثار في مارس 2016، ثم تسلم حقيبة وزارة السياحة والآثار في ديسمبر 2019، ليصبح أول وزير مصري يُشرف على الوزارتين معًا بعد إعادة دمجهما رسميًّا، لأول مرة منذ أكثر من 50 عامًا، وفي فترة توليه هذا المنصب المشترك، أشرف على إطلاق وإدارة مشروعات أثرية وسياحية ضخمة، تضمنت ترميم المواقع وإدارة المتاحف والمبادرات التسويقية للاستثمار السياحي.
وقبل توليه المنصب الوزاري، شغل الدكتور العناني عددًا من المناصب القيادية البارزة، من بينها المدير العام للمتحف القومي للحضارة المصرية، ومدير عام المتحف المصري بالتحرير، وقد أسهمت هذه الخبرات في تمكينه من قيادة مرحلة الدمج بين قطاعي السياحة والآثار بكفاءة.
وفي السادس من أكتوبر 2025، انتُخب خالد العناني مديرًا عامًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» لدورة تمتد من 2025 إلى 2029، ليصبح أول مصري وعربي يتولى هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة.
ويُمثّل هذا التعيين محطة رفيعة في مسيرته، حيث يُتوقع أن يقود العناني رؤية مُتجددة لليونيسكو في مجالات الثقافة والتعليم والتراث، مستفيدًا من خبرته الطويلة في العمل المؤسسي الدولي والتراثي وخبرته الأكاديمية والبحثية.
وحظي «العناني» بتقدير واسع على المستويين المحلي والدولي تقديرًا لإسهاماته في مجالي الثقافة والتراث الإنساني، إذ نال عددًا من الأوسمة الرفيعة من دول مختلفة.
فقد قلدته الحكومة الفرنسية وسام جوقة الشرف، وهو أرفع وسام مدني في فرنسا، تقديرًا لدوره البارز في دعم التعاون الثقافي بين مصر وفرنسا وإسهاماته الأكاديمية في علم المصريات.
كما منحته فرنسا أيضًا وسام فارس في الفنون والآداب اعترافًا بمسيرته في خدمة التراث ونشر الثقافة المصرية عالميًا، وحصل كذلك على وسام الشمس المشرقة من اليابان تكريمًا لجهوده في تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين، إلى جانب وسام الاستحقاق من جمهورية بولندا تقديرًا لإسهاماته في المجالات الأكاديمية والحفاظ على التراث، وفي عام 2025، كرمته جامعة بول فاليري – مونبلييه الفرنسية بمنحه درجة الدكتوراه الفخرية، تقديرًا لمسيرته العلمية ودوره الريادي كجسر للحوار الثقافي بين مصر والعالم.
يُعد خالد العناني نموذجًا للقيادة العلمية التي جمعت بين الرؤية الاستراتيجية والخبرة الميدانية في إدارة التراث والسياحة والثقافة، فقد استطاع أن يمزج بين روح الباحث وعقل الإداري، ليُسهم في تعزيز مكانة مصر عالميًا كمنارة للحضارة الإنسانية، وليواصل في موقعه الدولي الراهن رسالته في دعم الحوار الثقافي وحماية التراث الإنساني وصون الهوية الحضارية للأمم.