مؤسسات عملاقة: «Sparkassen-Finanzgruppe».. من بنك ادخار محلي إلى قوة مالية عالمية
First Bank

تُعد مجموعة بنوك الادخار الألمانية Sparkassen-Finanzgruppe، من أعرق الكيانات المالية في أوروبا، حيث تعود جذورها إلى عام 1778 مع تأسيس أول بنك ادخار في مدينة هامبورغ، حيث كان الهدف الأساسي من إنشائها هو تعزيز ثقافة الادخار بين مختلف فئات المجتمع، لا سيما محدودي الدخل، في ظل غياب مؤسسات مالية توفر لهم خدمات مناسبة.
تطور هذا النموذج تدريجيًا ليشكّل شبكة من البنوك التي تعمل لصالح المجتمعات المحلية، ومع اتساع نطاق نشاطها، برزت الحاجة إلى إطار قانوني منظّم، مما دفع مملكة بروسيا إلى إصدار أول قانون لتنظيم بنوك الادخار في عام 1838.
بحلول نهاية القرن التاسع عشر، شهدت بنوك الادخار نموًا ملحوظًا، حيث ارتفع عددها من 630 بنكًا في عام 1850 إلى أكثر من 2800 بنك بحلول عام 1903، موزعة على مختلف الولايات الألمانية.
وفي عام 1909، حصلت Sparkassen على ترخيص لتقديم خدمات الحسابات الجارية، ما شكّل خطوة محورية نحو تحوّلها إلى مؤسسات مصرفية متكاملة.
عقب الحرب العالمية الثانية، توجهت البنوك في ألمانيا الغربية نحو اقتصاد السوق، بينما تم دمج نظيراتها في ألمانيا الشرقية ضمن الاقتصاد المخطط، ومع إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990، تم دمج بنوك الادخار في الشرق ضمن المجموعة الوطنية.
تميّزت Sparkassen بقدرتها العالية على التكيّف التكنولوجي، ففي ستينيات القرن الماضي، كانت من أوائل الجهات التي استخدمت الصرافات الآلية في ألمانيا، وتبعتها خلال السبعينيات والثمانينيات بإدخال خدمات مبتكرة مثل آلات طباعة كشوف الحساب للخدمة الذاتية.
وفي عام 1984، أطلقت أول تجربة للخدمات المصرفية عبر الإنترنت باستخدام نظام BTX، ما يُعد إنجازًا رائدًا في وقت لم يكن فيه الإنترنت منتشرًا على نطاق واسع.
وفي التسعينيات من القرن الماضي، دخلت Sparkassen بقوة في عالم بطاقات الدفع والتقنيات الرقمية، وفي العقد الأول من الألفية الثالثة، طوّرت تطبيقاتها البنكية الخاصة واستثمرت بشكل موسّع في مجال الأمن السيبراني.
وفي عام 2016، أنشأت المجموعة مركز الابتكار S-Hub في هامبورغ، ليكون منصة للتعاون مع شركات التكنولوجيا المالية الناشئة (FinTech)، وتطوير حلول ذكية مثل إدارة الأموال عبر الهاتف الذكي، الدفع اللا تلامسي، واستخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم المخاطر.
تلتزم Sparkassen بمبادئ الاستدامة البيئية والمسؤولية الاجتماعية، حيث لا تعمل وفق منطق الربح التجاري البحت، بل تتبع نموذج "المصلحة العامة"، ما يعني توجيه الأرباح مباشرة لخدمة المجتمع، مثل دعم المدارس والمراكز الثقافية والرياضية.
وتُعد المجموعة من أكبر الجهات غير الحكومية الداعمة للثقافة في ألمانيا، إذ ترعى سنويًا أكثر من 35 ألف مشروع ثقافي، كما أنها الشريك الرسمي لمشروع "كمنيتس عاصمة الثقافة الأوروبية 2025".
أما في المجال البيئي، فتنتهج Sparkassen سياسات تمويل خضراء صارمة، وتقدم تسهيلات ائتمانية بشروط ميسّرة للمشروعات البيئية، مثل الطاقة الشمسية، وتحديث المباني لخفض استهلاك الطاقة، فضلًا عن دعم المشاريع الريفية المستدامة.
بهذا النموذج الفريد، تجمع Sparkassen بين الحداثة المصرفية والخدمة المجتمعية، مما يجعلها ركيزة أساسية في الاقتصاد والمجتمع الألماني.