FirstBank فرست بنك موقع فرست بنك فيرست بنك first bank



أخضر: التحول الرقمي الأخضر.. ضرورة تشغيلية وليست رفاهية

FirstBank

كشفت حادثة حريق سنترال رمسيس، التي تسببت في انقطاع واسع لخدمات الإنترنت والاتصالات الأرضية في وسط القاهرة، عن هشاشة الاعتماد على البنية التحتية التقليدية، خاصة في القطاعات الحساسة مثل البنوك، فقد استمر الانقطاع في بعض المناطق الحيوية لما يقارب 24 ساعة، مما أدى إلى تعطل مؤقت في عدد من الخدمات البنكية الإلكترونية وتوقف بعض الفروع عن العمل، قبل أن تعلن الجهات المعنية عن استعادة تدريجية للربط الشبكي والخدمات الحيوية.

وكانت هذه الحادثة بمثابة جرس إنذار للمؤسسات المالية حول المخاطر التي تهدد استمرارية أعمالها في ظل اعتمادها على أنظمة تقليدية ضعيفة أمام الأزمات المفاجئة.

وفي هذا السياق، يبرز مفهوم التحول الرقمي الأخضر كأحد الحلول الاستراتيجية لتفادي مثل هذه الأزمات، فهو لا يقتصر على تحديث البنية التكنولوجية فقط، بل يجمع أيضًا بين الاستدامة البيئية والمرونة التشغيلية، حيث يشمل استخدام مراكز بيانات تعمل بالطاقة المتجددة، والاعتماد على الحوسبة السحابية لتوزيع البيانات وتقليل الضغط على الشبكات التقليدية، إلى جانب تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل الأنظمة البنكية، وهذا التوجه يعزز قدرة البنوك على الاستمرار في تقديم الخدمات حتى في أصعب الظروف، مع المساهمة في حماية البيئة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة،

ومن بين الركائز الأساسية لهذا التحول تأتي الأنظمة الاحتياطية الخضراء، التي تعتمد على حلول بديلة مصممة للطوارئ وفق مبادئ الاستدامة، وتشمل هذه الأنظمة خوادم احتياطية تعمل بالطاقة الشمسية، وأنظمة اتصال لا تعتمد بالكامل على البنية الأرضية مثل الشبكات اللاسلكية والأقمار الصناعية، إضافة إلى منصات سحابية موزعة جغرافيًا تتيح استعادة البيانات وتشغيل الخدمات البنكية فورًا عند وقوع أي عطل.

كما أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أدوات مساندة أساسية للتنبؤ بالأعطال وتحويل مسارات العمليات تلقائيًا، بما يقلل من أثر الأزمات ويعزز سرعة الاستجابة.

وقد أثبتت التجارب الدولية والمحلية جدوى هذا التوجه في تعزيز استمرارية الأعمال وتقليل فترات التوقف، فعلى الصعيد الدولي، تمكن بنك ING الأوروبي من تقليص فترات تعطل خدماته بنسبة 30% بفضل مراكز بيانات تعمل بالطاقة المتجددة وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

أما على المستوى المحلي، تبنى البنك التجاري الدولي CIB استراتيجية للتحول الرقمي المستدام، تضمنت تركيب أنظمة طاقة شمسية في بعض فروعه، وإنشاء مراكز بيانات احتياطية تعتمد على بنية سحابية مرنة، والتعاون مع IBM لاعتماد منصة IBM Cloud Pak for Integration المبنية على OpenShift، مما مكنه من الصمود أمام الأعطال المفاجئة، وهو ما تجلى بوضوح خلال أزمة حريق سنترال رمسيس، حيث واصلت ماكينات الصراف الآلي التابعة للبنك عملها بشكل طبيعي دون انقطاع، مما عزز من ثقة العملاء في البنك.

وتؤكد هذه النماذج أن التحول الرقمي الأخضر لم يعد خيارًا تقنيًا إضافيًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية تفرضها التغيرات السريعة في بيئة الأعمال، كما أن البنوك التي تسلك هذا الطريق تصبح أكثر قدرة على المنافسة، وأكثر أمانًا في مواجهة الأزمات، وأكثر توافقًا مع التوجهات العالمية نحو التمويل المستدام. بالإضافة إلى أن هذا التحول يمنحها قدرة تشغيلية غير مرتبطة بعناصر تقليدية معرضة للمخاطر مثل السنترالات أو الشبكات المحلية، ويعزز ثقة العملاء والمستثمرين ويضمن استدامة أعمالها في بيئة مليئة بالتحديات.

وفي ضوء ذلك، أصبح من الضروري على البنوك المصرية أن تعيد النظر في استراتيجياتها التكنولوجية، وأن تبدأ فورًا في الاستثمار ببنية تحتية رقمية مرنة ومستدامة تواكب المتغيرات وتضمن استمرارية الخدمات، فالعالم اليوم لم يعد يتسامح مع التوقف، والمنافسة لم تعد تحتمل التأخير، وبات التحول الرقمي الأخضر هو الطريق الأمثل نحو النجاح والنمو المستدام في المستقبل.