مؤسسات عملاقة: «OCBC».. من بنك محلي إلى عملاق مالي آسيوي
First Bank

في عالم مصرفي يتسم بالصخب والمنافسة الشرسة، يبرز بنك أوفرسيز تشاينيز «OCBC» كواحد من أكثر البنوك اتزانًا واحترافية في إدارة النمو والمخاطر معًا، انطلق البنك من سنغافورة عام 1932، نتاج اندماج ثلاث مؤسسات مصرفية صينية، ومنذ ذلك الحين وهو يراكم خبراته بهدوء وثقة كبيرة، ليصبح اليوم أحد أكبر البنوك في جنوب شرق آسيا، ومن أكثرها استقرارًا واعتمادية على مستوى العالم.
ما يميز «OCBC» ليس فقط عمره الطويل أو حجمه الكبير، بل قدرته الفريدة على التطور المستمر دون التنازل عن ثوابته المصرفية أو هويته الآسيوية، فالبنك لم يُغرق نفسه في سباقات الاستحواذ العشوائي، بل اختار مسارًا أكثر تحفظًا، التوسع المدروس، والاستثمار في العمق الرقمي، وتقديم نموذج مصرفي مرن يوازن بين الخدمات التقليدية والتحول الذكي.
يُعد التوسع الإقليمي حجر الزاوية في استراتيجية «OCBC»، لكنه توسع قائم على فهم دقيق للأسواق وليس مجرد انتشار جغرافي، فالبنك يمتلك عمليات مصرفية رئيسية في سنغافورة، ماليزيا، إندونيسيا، هونغ كونغ، الصين، فيتنام، وأستراليا، بالإضافة إلى مكاتب في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، إلا أن قوته الحقيقية تكمن في الدمج بين الانتشار والتخصص.
على سبيل المثال، جاء استحواذه على بنك Wing Hang ليمنحه حضورًا استراتيجيًا داخل الصين الكبرى، أحد أكثر الأسواق المالية تعقيدًا، مما عزز قدرته على الربط بين حركة رأس المال الآسيوي والشركات العالمية.
كما أن ملكيته لشركة Great Eastern Holdings في قطاع التأمين تمنحه ذراعًا قوية لتقديم خدمات مالية متكاملة تشمل التأمين على الحياة، والتأمين الصحي، وخدمات إدارة المخاطر، بينما يُعد بنك OCBC NISP التابع له في إندونيسيا ركيزة أساسية في تغطية أسواق جنوب شرق آسيا.
ينتهج «OCBC» نموذج أعمال متنوع يُحقق له نوعًا من التوازن المالي المستدام، فالبنك ينشط في قطاعات متعددة تشمل الخدمات المصرفية للأفراد، والخدمات المصرفية للشركات، والتمويل التجاري، وتمويل المشاريع، وإدارة الثروات، والأسواق المالية، وشركات التأمين، وكلها تخضع لنظام حوكمة مالية صارم يوازن بين المخاطر والعوائد.
وقد ساعده هذا التنوع على الصمود خلال الأزمات، كما حدث في أزمة كوفيد-19، حين استطاع الحفاظ على نسب كفاءة رأسمالية مرتفعة، مع الحفاظ على توزيعات أرباح مجزية للمساهمين.
ويُعتبر قطاع إدارة الثروات أحد أسرع القطاعات نموًا لدى البنك، حيث يتمتع بسمعة قوية بين العملاء ذوي الملاءة العالية في آسيا، خصوصًا مع نمو الطبقة المتوسطة والعليا في المنطقة.
لا ينظر OCBC إلى التحول الرقمي باعتباره مجرد واجهة تسويقية، بل كمنظومة تشغيلية كاملة، فقد تبنى البنك استثمارات استراتيجية في البنية التحتية الرقمية، بما في ذلك تقنيات السحابة، والذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الضخمة، وأتمتة العمليات.
ونجح في تطوير تطبيقات وخدمات ذكية منها منصة FRANK by OCBC التي تستهدف الشباب وتجذبهم لتجربة مصرفية رقمية بالكامل، ومنصة OCBC Velocity المتخصصة للشركات في إدارة المدفوعات والتحويلات والأعمال المالية.
ويمتاز البنك أيضًا باستخدامه المتقدم للروبوتات والأنظمة الذكية داخل العمليات التشغيلية، مما ساعده على خفض التكاليف، وتسريع تقديم الخدمات، وتحسين تجربة العملاء، وجعله أكثر قدرة على المنافسة أمام مؤسسات ضخمة مثل DBS Bank وUOB داخل سنغافورة.
في الوقت الذي تلاحق فيه البنوك الكبرى العالم بمبادرات صديقة للبيئة لأغراض تسويقية، يظهر OCBC كواحد من أكثر البنوك جدية في التوجه نحو التمويل المستدام، بعدما قرر وقف تمويل الفحم الحراري، مما يعكس قناعة استراتيجية بأن التحول المناخي لم يعد خيارًا، بل ضرورة مصرفية.
البنك لا يكتفي بتقديم التمويل الأخضر، بل يعمل على توجيه عملائه التجاريين نحو الامتثال لمبادئ الاستدامة، كما ينشر تقارير شفافة وفقًا لإطار TCFD، ويشارك في عدد من المبادرات الإقليمية لدعم الحوكمة البيئية والمجتمعية.