مؤسسات عملاقة: من قلب فيينا إلى الريادة الإقليمية.. قصة صعود «Erste Group» النمساوية في أوروبا الشرقية

تأسست مجموعة «Erste Group» عام 1819 في مدينة فيينا تحت اسم "Erste österreichische Spar-Casse" كأول بنك ادخار في النمسا، بهدف رئيسي هو دعم الفئات محدودة الدخل وتمكينها من الوصول إلى الخدمات المالية.

ومع مرور الوقت، تحولت من مؤسسة محلية صغيرة إلى واحدة من أبرز المجموعات المصرفية في أوروبا الوسطى والشرقية.

في تسعينيات القرن الماضي، وبعد سقوط الستار الحديدي، انتهجت المجموعة استراتيجية توسع جريئة عبر الاستحواذ على بنوك محلية وإقليمية في دول مثل التشيك، سلوفاكيا، المجر، رومانيا، وكرواتيا، مما عزز مكانة «Erste» كأحد اللاعبين الرئيسيين في القطاع المصرفي بالمنطقة.

اليوم، تتمركز المجموعة في فيينا ككيان مصرفي رائد يخدم أكثر من 16 مليون عميل عبر شبكة تضم نحو 2,000 فرع في 7 أسواق أساسية.

هذا الانتشار يجعلها من أكبر البنوك التي تربط أوروبا الغربية بالأسواق الناشئة في أوروبا الشرقية، مع نموذج عمل يجمع بين الخبرة المصرفية التقليدية والقدرات الرقمية الحديثة.

وعلى صعيد الأداء المالي، أظهرت نتائج النصف الأول من 2025 متانة القاعدة المالية للمجموعة، حيث ارتفع صافي الربح إلى 1.665 مليار يورو مقارنة بـ1.629 مليار يورو في الفترة نفسها من 2024.

كما بلغت الأصول 361.1 مليار يورو، والقروض 224 مليار يورو، والودائع 248.5 مليار يورو.

وسجلت المجموعة عائدًا على حقوق الملكية الملموسة (ROTE) بنسبة 16.4%، مع نسبة قروض متعثرة مستقرة عند 2.5% وتغطية بلغت 73.6%.

وارتفعت نسبة رأس المال الأساسي (CET1) إلى 17.4% مقارنة بـ15.3% في نهاية 2024، ما يعكس قوة ملاءتها المالية وقدرتها على مواجهة المخاطر.

وتقدم «Erste Group» مجموعة متكاملة من الخدمات المصرفية تشمل الحسابات الجارية والادخار، القروض الشخصية والسكنية، بطاقات الائتمان، وخدمات الدفع الإلكتروني للأفراد.

أما للشركات والمؤسسات، فتشمل الخدمات تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، إدارة السيولة، وخدمات التجارة الدولية.

كما توفر المجموعة حلولًا استثمارية للأفراد ذوي الملاءة والمؤسسات، إلى جانب الاستشارات المالية الشاملة، مع تميزها بدمج هذه الخدمات في تجربة موحدة عبر القنوات الرقمية والفروع.

في مجال الابتكار الرقمي، استثمرت المجموعة بكثافة في تطوير منصات مصرفية ذكية، أبرزها تطبيق «George» الذي يُعد من أنجح المنصات البنكية الرقمية في أوروبا الوسطى، ويستخدمه أكثر من 9 ملايين عميل لإدارة حساباتهم وخدماتهم المالية بسهولة وأمان.

كما تعمل المجموعة على تطوير حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتخصيص الخدمات وتعزيز الأمان السيبراني، إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية السحابية لرفع كفاءة العمليات.

وتضع المجموعة قضايا الاستدامة في صميم استراتيجيتها من خلال دعم مشروعات الطاقة المتجددة، وتقديم القروض الخضراء، وتعزيز ريادة الأعمال الاجتماعية، وبرامج الإدماج المالي للفئات المهمشة. كما تعهدت بالوصول إلى الحياد الكربوني في عملياتها بحلول عام 2050.

ورغم قوتها، تواجه «Erste Group» تحديات تتعلق بالمنافسة الشرسة في أسواق أوروبا الشرقية، وضغوط معدلات الفائدة والسياسات النقدية، فضلًا عن المخاطر الجيوسياسية التي قد تؤثر على الاقتصادات الإقليمية، إلا أن انتشارها الجغرافي الواسع وقاعدتها الرأسمالية القوية يمنحانها القدرة على مواجهة هذه التحديات.

وبذلك، تمثل «Erste Group» نموذجًا للمؤسسة المصرفية الأوروبية التي نجحت في المزج بين التاريخ العريق والابتكار الرقمي، وبين التوسع الجغرافي والاستدامة، فمن بنك ادخار محلي في فيينا إلى مؤسسة تخدم ملايين العملاء عبر أوروبا الوسطى والشرقية، استطاعت المجموعة أن ترسخ مكانتها كأحد المحركات الرئيسية للتنمية المالية والاقتصادية في المنطقة، مع رؤية واضحة للمستقبل قائمة على النمو المسؤول والابتكار المستدام.