مؤسسات عملاقة: «mBank».. من بنك متخصص في التمويلات الخارجية إلى أول بنك رقمي في بولندا
First Bank
تُعد مجموعة «mBank» من أبرز وأهم المؤسسات المالية في بولندا ومنطقة وسط وشرق أوروبا، حيث تمثل نموذجًا فريدًا للتحول المؤسسي؛ حيث انتقلت من بنك متخصص في تمويل التجارة الخارجية إلى أحد رواد الخدمات المصرفية الرقمية في المنطقة.
تعود الجذور التاريخية للبنك إلى عام 1986، عندما تأسس تحت اسم «BRE Bank»، مستهدفًا دعم الشركات البولندية في الأسواق العالمية وتسهيل عمليات التصدير، في سياق مرحلة التحول الاقتصادي التي شهدتها بولندا آنذاك.
وفي عام 1992، سجل البنك محطة مفصلية بإدراج أسهمه في بورصة وارسو، ليصبح من أوائل المؤسسات المالية المدرجة في السوق البولندية.
ومع دخول الألفية الجديدة، أحدث البنك تحولًا نوعيًا في المشهد المصرفي البولندي، حيث أطلق في عام 2000 علامة «mBank» كأول بنك رقمي متكامل في بولندا، موجهًا خدماته إلى جيل الشباب والعملاء الباحثين عن حلول مصرفية سهلة وسريعة عبر الإنترنت.
وقد حققت هذه الخطوة نجاحًا واسعًا، تُوّج في عام 2013 بتغيير الاسم التجاري للمجموعة بالكامل من «BRE Bank» إلى «mBank»، توحيدًا للهوية تحت العلامة الأكثر تأثيرًا وانتشارًا.
وخلال العقد الأخير، عزز «mBank» مكانته كأحد المكونات الرئيسية للنظام المالي الأوروبي، مدعومًا باستحواذ مجموعة «Commerzbank» الألمانية على حصة الأغلبية في رأسماله، وهو ما وفر له دعمًا استراتيجيًا وقدرة أوسع على النفاذ إلى الأسواق الدولية.
ولم يقتصر نمو البنك على التوسع العضوي فحسب، بل شمل أيضًا استحواذات مدروسة وتطويرًا مستمرًا لمنصاته التشغيلية، ليصبح رابع أكبر بنك في بولندا من حيث إجمالي الأصول.
كما نجح «mBank»في إعادة تعريف نموذج أعماله، متحولًا من بنك يركز على خدمة الشركات الكبرى إلى منصة مالية شاملة تخدم ملايين الأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة، مع الحفاظ على ثقافة الابتكار التي شكلت جوهر انطلاقته الرقمية.
وعلى الصعيد الإقليمي، يضطلع «mBank» بدور محوري كنموذج للصيرفة الرقمية العابرة للحدود في وسط أوروبا، فإلى جانب ريادته في السوق البولندية، يمتلك البنك حضورًا قويًا وناجحًا في كل من جمهورية التشيك وسلوفاكيا، حيث يقدم خدماته الرقمية لآلاف العملاء.
ويسهم هذا التوسع الإقليمي في تنويع مصادر الإيرادات، فضلًا عن تحويل البنك إلى منصة اختبار للابتكارات المالية التي يتم تعميمها لاحقًا في أسواق أخرى، بما يعزز مكانته كأحد أسرع البنوك نموًا في بولندا.
وفي مجال التحول الرقمي، لا يُنظر إلى «mBank» كمرجع إقليمي فحسب، بل كأحد النماذج العالمية الرائدة، حيث حصدت منصاته وتطبيقاته العديد من الجوائز الدولية كأفضل بنك رقمي.
وقد استثمر البنك بكثافة في تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة العملاء وأتمتة العمليات الائتمانية، إلى جانب تطوير خدمات مصرفية عبر الهاتف المحمول تتيح تنفيذ جميع المعاملات بسهولة وأمان.
ويركز «mBank»حاليًا على توظيف تحليلات البيانات الضخمة لتقديم عروض مخصصة وفورية للعملاء، مع تعزيز منظومة الأمن السيبراني لحماية المعاملات الرقمية التي تمثل العمود الفقري لنشاطه المصرفي.
ويتميز «mBank»عن منافسيه بريادة تكنولوجية واضحة، مدعومة بمرونة تشغيلية تتيح له إطلاق منتجات جديدة بوتيرة أسرع مقارنة بالبنوك التقليدية الكبرى، إلى جانب علامة تجارية قوية ترتبط بالحداثة والشفافية، ما يجعله وجهة مفضلة لفئات الشباب والشركات التكنولوجية الناشئة. كما يمنحه الانتماء إلى مجموعة «Commerzbank» توازنًا فريدًا بين الابتكار المحلي والاستقرار المؤسسي الأوروبي.
وفي مجال الاستدامة، يدمج «mBank» معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية «ESG» بعمق في استراتيجيته طويلة الأجل، حيث أعلن عن خطط طموحة لدعم وتمويل الاقتصاد الأخضر، مع التركيز على تقديم قروض خضراء لمشروعات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، سواء للأفراد أو الشركات.
كما يلتزم البنك بخفض انكشافه على تمويل قطاعات الفحم والطاقة التقليدية، انسجامًا مع الأهداف المناخية للاتحاد الأوروبي، إلى جانب اهتمامه بتعزيز الشمول المالي ونشر الثقافة الرقمية في المجتمعات التي يعمل بها.
ورغم هذا الأداء القوي، يواجه «mBank» عددًا من التحديات الجوهرية، في مقدمتها المخاطر القانونية والمالية المرتبطة بقروض الرهن العقاري المقومة بالفرنك السويسري، والتي تستلزم تكوين مخصصات ضخمة تؤثر على مستويات الربحية.
كما تمثل المنافسة المتزايدة من البنوك الرقمية الجديدة عامل ضغط مستمر يتطلب مواصلة الاستثمار في الابتكار، في وقت تظل فيه التقلبات الجيوسياسية في شرق أوروبا عنصرًا مؤثرًا على استقرار الأسواق المالية في المنطقة.












