أخضر: «من الأخضر إلى الأزرق».. هل تطرق مصر باب التمويل البحري المستدام؟
First Bank
 
                                    
يشهد العالم اليوم موجة جديدة من التحول نحو أدوات تمويلية أكثر ارتباطًا بالطبيعة، بعد أن بدأت التجربة الخضراء تترسخ في البنوك والحكومات خلال السنوات الأخيرة.
ولكن مع تصاعد المخاطر البيئية على السواحل والمحيطات، ظهر اتجاه جديد يعرف باسم «السندات الزرقاء»، وهي آلية تمويل مبتكرة تستهدف دعم الاقتصاد الأزرق وحماية الموارد المائية من التلوث والصيد الجائر وتدهور الشعاب المرجانية.
ورغم بساطة فكرة السندات الزرقاء إلا انها تمثل أداة حيوية في منظومة التمويل المستدام، حيث يمكن تلخيصها في أن الاستدامة لا تقتصر على الطاقة النظيفة أو الحد من الانبعاثات، بل تشمل أيضًا حماية البحار والمحيطات التي تمثل شريان الحياة على كوكب الأرض، وتغطي أكثر من 70% من مساحته.
فعلى صعيد السوق العالمي، تشهد السندات الزرقاء توسعًا ملحوظًا، وإن كان لا يزال صغيرًا بالمقارنة مع سوق السندات الخضراء، حيث بلغت قيمة الإصدارات الزرقاء في عام 2024 ما بين 7 إلى 8 مليار دولار تقريبًا، بعدما كانت أقل من مليارًا واحدًا فقط قبل 5 سنوات فقط.
وقد ساهم البنك الدولي بدور مهم في دعم المشروعات الساحلية والبحرية من خلال دفعات استثمارية وإصدارات مخصصة، مما أضاف زخماً إلى هذا المجال المبتكر.
ولا تزال هذه الأرقام لا تذكر مقارنةً بسوق السندات الخضراء الذي تجاوز 2.5 تريليون دولار، ولكنها تعكس بوضوح أن العالم بدأ ينتبه إلى أهمية الموارد المائية كجزء من معركة المناخ، فالقارة الأوروبية ليست وحدها في هذا الاتجاه، حيث بدأت قارة آسيا أيضًا في التحرك بقوة، حيث أدرجت الصين السندات الزرقاء ضمن استراتيجيتها للتمويل المستدام، فيما تعمل سنغافورة على تطوير إطار تنظيمي خاص لتمويل المشروعات البحرية والموانئ المستدامة.
أما على المستوى الإقليمي، فالبنك الإفريقي للتنمية أعلن عن إعداد «Blue Finance Framework» لدعم دول القارة في تطوير مشروعات مرتبطة بحماية المياه العذبة والبحرية.
وعلى الصعيد المحلي، تبرز مصر كأحد البلدان التي تمتلك مقومات كبيرة لدخول سوق التمويل الأزرق في قلب هذه التحولات العالمية، فموقعها الجغرافي يمنحها واجهتين بحريتين على البحرين الأحمر والمتوسط، إضافة إلى قناة السويس التي تمثل أحد أهم الممرات المائية في العالم.
كما تواجه البلاد تحديات متزايدة في إدارة السواحل والتلوث البحري والصيد الجائر، وهو ما يجعلها بحاجة إلى أدوات تمويل جديدة قادرة على معالجة تلك التحديات ضمن رؤية تنموية شاملة.
وخلال عام 2023، ناقشت وزارة البيئة المصرية إمكانية إطلاق أول «سند أزرق» بالتعاون مع البنك المركزي المصري وعدد من الشركاء الدوليين، من بينهم «EBRD» والبنك الإفريقي للتنمية.
ووفقًا لتقارير رسمية، فإن الدراسات الأولية تشمل تمويل مشروعات لمعالجة الصرف الصناعي في المناطق الساحلية، ودعم المجتمعات المحلية العاملة في الصيد المستدام، وتمويل مشروعات البنية التحتية البيئية في البحر الأحمر والساحل الشمالي.
ويتوقع أن تشكل هذه الخطوة امتدادًا طبيعيًا لتجربة مصر الناجحة في السندات الخضراء التي أطلقتها الحكومة عام 2020 بقيمة 750 مليون دولار، ثم تبعها عدد من الإصدارات المصرفية لتمويل مشروعات الطاقة النظيفة والنقل المستدام، ومن شأن هذه التجربة أن تمنح مصر قاعدة مؤسسية قوية للانتقال نحو التمويل الأزرق، خاصة في ظل تزايد الاهتمام العالمي بتمويل الاقتصاد البحري المستدام.
كما يجب الأخذ في الإعتبار ان «التحول الأزرق» يفتح آفاقًا واسعة، فهو لا يقتصر على الطاقة أو الصناعة بل يمتد إلى قطاعات السياحة والموانئ والثروة السمكية وإدارة الموارد المائية، وهي مجالات ترتبط بشكل مباشر بحياة المجتمعات الساحلية والأمن الغذائي.
واللافت في هذا الشأن، أن المؤسسات الدولية باتت تنظر إلى الاقتصاد الأزرق باعتباره أحد أهم محركات النمو المستدام في العقد القادم، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الأنشطة المرتبطة بالبحار يمكن أن تضيف ما يزيد على 3 تريليونات دولار سنويًا للناتج العالمي بحلول 2030، بشرط أن تدار بشكل مستدام وتخضع لمعايير واضحة للحوكمة والشفافية.
كما أن تبني مصر لهذا التوجه يمكن أن يمنحها موقعًا مميزًا في خارطة التمويل المستدام الإقليمي، خاصة إذا تم ربط السندات الزرقاء بمشروعات تنفذ داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أو في المدن الساحلية الجديدة.
حيث أن هذه المشروعات لا تخلق فقط فرص عمل وتمويل، بل تعيد تعريف العلاقة بين التنمية والبيئة، لتصبح الاستدامة عنصرًا اقتصاديًا لا عبئًا تنمويًا، ومع اتساع رقعة الكوارث البيئية الناتجة عن التلوث البحري وارتفاع درجات الحرارة، يبدو أن الطريق نحو المستقبل لن يكون أخضر فقط، بل أزرق أيضًا.
 
                                    
 
                         
                         
                        




 
                        





 
                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                         
                                        