أخضر: الحرب النووية.. كارثة تبدأ بالانفجار ولا تنتهي أبدًا
First Bank

تُعد الحرب النووية من أخطر الكوارث على الإطلاق، ليس فقط بسبب الخسائر البشرية الفادحة التي تقع بسبب الانفجار، بل لما تُحدثه من دمار طويل الأمد بيئيًا واجتماعيًا وبشريًا، حيث انها لا تنتهي بانتهاء الانفجار، بل تُطلق سلسلة من الأحداث والتداعيات التي تُعيد تشكيل حياة أجيال بأكملها، وتُعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والبيئة، وبين الدول والمجتمعات.
وتترك الحرب النووية خلفها دمارًا لا يُقارن بأي نوع آخر من الحروب، خصوصًا على البيئة، حيث تتصاعد كميات هائلة من الدخان والسخام الناتج عن حرائق المدن والغابات إلى الغلاف الجوي، مما يحجب أشعة الشمس، هذا الظاهرة تُعرف باسم «الشتاء النووي»، وقد تؤدي إلى انخفاض شديد في درجات الحرارة حول العالم، مما يُضعف الزراعة ويُسبب مجاعات في كثير من الدول.
كما ينتشر التلوث الإشعاعي في الهواء والماء والتربة، ويستمر هذا التلوث لفترات طويلة وقد يؤثر على حياة الإنسان والحيوان وحتى النباتات، النظائر المشعة مثل اليود-131 والسيزيوم-137 تدخل في السلاسل الغذائية وتُسبب أمراضًا خطيرة كأمراض السرطان وتشوهات الأجنة.
وتؤثر الانفجارات على طبقة الأوزون، مما يزيد من كمية الأشعة فوق البنفسجية الضارة التي تصل إلى الأرض، فتؤذي الإنسان والكائنات الأخرى، والأخطر من ذلك أن النظم البيئية قد تتعرض لانهيارات كاملة، فبعض الكائنات لا تتحمل الإشعاع مما يؤدي إلى انقراض أنواع كاملة، واضطراب في التوازن البيئي العالمي.
الحرب النووية تسبب مأساة إنسانية ضخمة
يمكن لقنبلة نووية واحدة أن تقتل عشرات أو مئات الآلاف خلال فترة زمنية قصيرة، كما حدث في مدينة هيروشيما اليابانية عام 1945، حيث توفى حوالي 140 ألف شخص خلال أسابيع قليلة فقط.
ولا يتوقف الأثر عند القتل الجماعي فقط، بل يمتد إلى معاناة الناجين، إذ يواجهون إصابات خطيرة مثل، الحروق والتعرض للإشعاع، والذي بدوره يُسبب أمراضًا مثل السرطان، وأمراض القلب، وتشوهات خلقية في الأجيال التالية.
تشيرنوبل.. الدرس المستمر
يُعد حادث تشيرنوبل أبرز دليل على ذلك رغم أنه حادث مفاعل نووي وليست قنبلة، حيث وقعت واحدة من أخطر الكوارث النووية في التاريخ في محطة تشيرنوبل للطاقة النووية في أوكرانيا (الاتحاد السوفيتي سابقًا)، الانفجار الذي حدث في المفاعل رقم 4 أدّى إلى تسرب كميات هائلة من الإشعاع النووي إلى الجو، وانتشر التلوث عبر مساحات واسعة من أوروبا الشرقية.
وتسبب ذلك الحادث في مقتل العشرات خلال الأيام الأولى، بينما عانى مئات الآلاف من أمراض سرطانية وتشوهات خلقية على المدى الطويل، كما تم إجلاء أكثر من 300 ألف شخص من المناطق المحيطة، وأُنشئت منطقة حظر إشعاعي بقطر 30 كيلومترًا حول الموقع ما زالت قائمة حتى اليوم.
تشيرنوبل أثبتت أن التلوث الإشعاعي ليس له حدود زمنية أو جغرافية، وأن الآثار البيئية والاجتماعية للكارثة النووية قد تمتد لعقود، وهو ما يجعل من الحرب النووية تهديدًا أكثر فتكًا واستمرارية.
ليس مجرد انفجار.. بل تهديد للبشرية بأكملها
تشير دراسات حديثة ومبنية على نماذج مناخية وغذائية عالية الدقة إلى أن أي صراع نووي على نطاق إقليمي قد يكون كارثيًا عالميّا، وفقًا لتحليل نُشر في عام 2022 في مجلة Nature Food، فإن حربًا محدودة بين الهند وباكستان باستخدام حوالي 100 قنبلة نووية صغيرة الحجم قد تُسفر عن موت أكثر من 2 مليار إنسان بسبب المجاعة الناجمة عن تعطّل الإنتاج الغذائي العالمي.
أما في حالة اندلاع حرب نووية شاملة بين قوتين نوويتين كبيرتين مثل الولايات المتحدة وروسيا، فإن النتائج مفزعة، حيث قد ينخفض إنتاج الغذاء إلى أقل من 20% من مستوياته قبل الحرب، مما يؤدي إلى وفاة أكثر من 5 مليار انسان من الجوع خلال سنوات قليلة.
آثار اقتصادية ونفسية واجتماعية مدمّرة
كما أن الحرب النووية لا تدمر فقط المدن والبنية التحتية، بل تدمر كذلك الاقتصاد العالمي، حيث تنهار الأسواق المالية، وتتوقف سلاسل التوريد، ويُصاب النظام المالي بالشلل.
وتُخلف أيضًا آثارًا نفسية عميقة على الناجين مثل اضطرابات ما بعد الصدمة، واضطراب الهوية، وتفكك المجتمعات، بالإضافة إلى الأزمات الإنسانية الناتجة عن التشريد الجماعي، ونقص المساعدات في المناطق الملوثة إشعاعيًا التي يصعب الوصول إليها.
هذه الأرقام المروعة تؤكد أن تداعيات الحرب النووية لا تقف عند لحظة الانفجار أو السقوط الإشعاعي، بل تمتد لتهدد الأمن الغذائي العالمي وتلقي بظلالها على مستقبل البشرية.
مواجهة الكارثة.. مسؤولية تبدأ من الأسرة
في حالات الطوارئ النووية، تتحمّل الأسرة مسؤولية كبيرة لحماية أفرادها، خاصة الأطفال وكبار السن، أول وأهم إجراء هو وضع خطة مسبقة للطوارئ تشمل تحديد مكان آمن داخل المنزل مثل غرفة داخلية بدون نوافذ، وتخزين كميات كافية من المياه النقية، والطعام المعلّب، والأدوية الأساسية لكل فرد في الأسرة.
يجب على الوالدين الحفاظ على الهدوء والسيطرة على الخوف حتى لا يُصاب الأطفال بالهلع، كما يُنصح بتوفير "حقيبة طوارئ" جاهزة تحتوي على مصباح يدوي، أجهزة راديو تعمل بدون كهرباء، مستندات مهمة (كالهويات وشهادات الميلاد)، وبعض الألعاب أو الكتب الصغيرة للأطفال لتخفيف التوتر النفسي.
وبعد الانفجار، يجب أن تبقى الأسرة في مكانها المغلق لعدة ساعات أو أيام حسب الإرشادات، مع التأكد من عدم استخدام المياه أو الطعام المكشوفين، وفي حال التعرّض لمواد مشعة يجب نزع الملابس فورًا وغسل الجسم جيدًا، فضلاً عن متابعة الأخبار والتعليمات من الجهات الرسمية، كما أن التعاون الأسري، والانضباط، والتجهيز المسبق يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في فرص النجاة وتقليل الأذى عند حدوث الحروب النووية.
جهود دولية.. ولكن التهديد لا يزال قائمًا
رغم الجهود الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية مثل معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBT)، لا تزال الترسانات النووية الضخمة موجودة، ولا تزال احتمالية اندلاع حرب نووية – سواء عن عمد أو عن طريق الخطأ أو بفعل هجوم إلكتروني – تشكل خطرًا داهمًا على البشرية جمعاء.
في عالم تُعقد فيه التحالفات بسرعة، وتتصاعد فيه الأزمات الإقليمية والدولية، تبقى الحاجة إلى الوعي العام، والدبلوماسية، والمراقبة الصارمة للبرامج النووية أكبر من أي وقت مضى.