أخضر: حين تنهار الجسور والسدود.. هل تكفي البنية التحتية لمواجهة غضب المناخ؟
First Bank

لم يعد التغير المناخي حدثًا بعيدًا أو مجرد تحذيرات بيئية، بل تحول إلى تهديد مباشر للبشر والاقتصادات على حد سواء، ففي كل عام تتضاعف شدة الكوارث الطبيعية وتتابعتها، من أعاصير مدمرة إلى فيضانات غير مسبوقة، لتكشف هشاشة البنية التحتية أمام تحديات مناخية متصاعدة.
ولم تقتصر الكوارث على الدول الفقيرة أو ضعيفة الإمكانيات؛ فحتى الاقتصادات المتقدمة وجدت نفسها عاجزة أمام قسوة الظواهر الطبيعية، ففي تايوان "الدولة الصناعية المتقدمة ومركز التكنولوجيا العالمي"، تسببت الأمطار الغزيرة التي صاحبت إعصار Ragasa في انهيارات طينية جرفت قرى بأكملها، وعجزت فرق الإنقاذ عن الوصول إلى المفقودين بسبب غزارة الطين وصعوبة التضاريس، والمفارقة هنا أن بلدًا يقود ثورات الابتكار الرقمي انكشف ضعفه أمام كارثة طبيعية، لتذكرنا أن التغير المناخي لا يعترف بحدود ولا بمستويات الدخل.
أما في أوروبا فالصورة لم تكن أفضل كثيرًا، ففي ألمانيا "قلب القارة الصناعي وصاحبة واحدة من أقوى البنى التحتية في العالم"، أسفرت فيضانات عام 2021 عن مقتل أكثر من 180 شخصًا وخسائر تجاوزت 30 مليار يورو، ورغم أن أنظمة التحذير كانت موجودة، فإن شدة الأمطار وسرعة تدفق المياه كشفت فجوات قاتلة في القدرة على الاستجابة والتعامل مع الكارثة، فما حدث في ألمانيا كان صادمًا للعالم، لأنه برهن أن حتى الاقتصادات المتقدمة ليست محصنة أمام تسارع وتيرة المناخ.
غير أن المشهد أكثر قتامة حين ننتقل إلى الدول النامية؛ هذه الدول التي لم تستفد من الثورة الصناعية ولا من الطفرة الاقتصادية التي عاشتها أوروبا وأمريكا والصين وروسيا، تجد نفسها اليوم تدفع فاتورة لم تكن طرفًا في صناعتها؛ فالبنية التحتية الهشة، وغياب أنظمة الإنذار المبكر، وضعف إمكانيات الإنقاذ والإغاثة، تجعل أي كارثة طبيعية تتحول إلى مأساة إنسانية واقتصادية مضاعفة؛ حيث أن هناك ملايين البشر مهددون بفقدان مساكنهم وأراضيهم الزراعية، فيما تتراجع قدرتهم على التكيف مع الأوضاع الجديدة.
وتزداد خطورة الوضع حين تتداخل الكوارث المناخية مع التلوث البيئي؛ فإزالة الغابات تفتح الباب لانهيارات أرضية أكثر خطورة، والتوسع العمراني العشوائي على حساب المناطق الطبيعية يزيد هشاشة المدن، بينما يؤدي تلوث الأنهار والمجاري المائية إلى تفاقم الأوبئة بعد موجات الفيضانات، وبذلك تصبح الكارثة مركبة: دمار عمراني، وخسائر اقتصادية، وأزمات صحية في آن واحد.
ولقد أثبتت التجربة أن البنية التحتية ليست مجرد جسور وطرق ومبانٍ شاهقة، بل هي خط الدفاع الأول أمام الكوارث المناخية، فالإستثمار في شبكات تصريف حديثة، وتخطيط عمراني مرن يراعي المناطق الأكثر عرضة للخطر، وتطوير أنظمة إنذار مبكر تربط بين العلم والتكنولوجيا والمجتمع، لم يعد ترفًا بل ضرورة وجودية، فبالنظر إلى تجارب بعض الدول مثل هولندا في إدارة الفيضانات، أو اليابان في بناء مدن مقاومة للزلازل، تثبت أن الاستثمار الاستباقي في المرونة قد يكون أقل تكلفة بكثير من إعادة الإعمار بعد الكارثة.
ومع ذلك، تظل العدالة المناخية غائبة، الدول المتقدمة التي بنت ثرواتها على مدار قرنين من الانبعاثات الكثيفة، مُطالبة اليوم بمضاعفة تمويلاتها الموجهة لدعم الدول النامية، ليس عبر إغاثة مؤقتة بعد الكارثة فقط؛ بل من خلال خطط استباقية تعزز قدرة هذه الدول على الصمود، ورغم التعهدات الدولية، مثل التزامات صندوق تمويل المناخ السنوية البالغة 100 مليار دولار، فإن التنفيذ ظل أقل من التوقعات، ما يفاقم الفجوة بين الحاجة والموارد المتاحة.
المعادلة لم تعد خيارًا بين التنمية أو مواجهة المناخ، بل صارت معركة وجود لا يقبل التأجيل، وإذا لم يتحرك العالم بشكل جماعي لحماية البنية التحتية والإنسان معًا، فإن تكاليف التقاعس ستتجاوز حدود الخسائر المادية لتصبح تهديدًا وجوديًا للبشرية. ويبقى السؤال: هل ستكون الدول الصناعية الكبرى "في ظل التوترات الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية العالمية" مستعدة لمد يد العون إلى الدول النامية لإنقاذها مما هو آت؟